أنفاس.. للأديب إبراهيم جابر إبراهيم

خاص (الجسرة)

خذني من يدي . يدي التي لطالمت ألحَّت عليكَ بالعناق . يدي الفقيرة لك .. الغنيّةُ عن أي يدٍ سواك . خذني من ارتطام الناس بالناس ، كأنَّني وردتك المصطفاة . واذهب بي من بينهم ، الى بيتك . لأنَّني لستُ لأحدٍ من العالمين . لا أحضرُ إلّا لشأنك ولا أغيبُ الّا له .
نادني بكل اسمٍ هو لي ، أو ناديتني بهِ في ساعة حبّ . لأنهض من أناي القتيلة مثل شجرةٍ تصير خضراء لأنَّ صوتك أقامها من مُقامها . مثل طائرٍ تشدُّه أمُّهُ من جناحه في الطريق : إنهض ، وأعدُكَ بالحياة ، وبسماءٍ جديدةٍ يا طائري الميّت .

خذني لأصير لَكْ . لأنَّني ما صرتُ لسواك .
ما انتفع بي أحد . ولا علَّقتُ ثوبي في بيت غيرك .

خذني من يدي الواهنة . يدي التي أنفقتُها في العناق . كأنَّني لحافك . خذني من ازدحام نفسي بنفسي ، لأنَّني ما لقيتُني الّا فيك . واذهب بي الى بيتك . واغوني بالكلام . الكلام الذي لا أريده من غيرك .

إصعد بي جبالك المرحة . لتغنّي لي كما تغنّي الريحُ على سقوف الجبال . أغنياتك الممِاطلة . مثلما أرجوحةٌ تحملني من تحت إبطي . لترسلني الى الأعالي ثم تستردُّني . فأنا لا طاقة لي على بدَني . كأنَّ يداً رسمتكَ علَيَّ . كأنَّ يدي يدك . كأنَّ صوتك المندفق فوقي عواءُ الحياة جوّاي . أو أنَّ رغبتكَ فيّْ هيَ رغبتكُ في أنْ .. تحكَّ جلدَك !

خذني . ها إنَّني مبتهجٌ مثل سيّدٍ يقعُ في الأسر .
لقد خطَّطتُ لذلكَ طويلاً : ان أكون يا مَولايَ حرّاً في اختيار مولايْ .
خذ اسمي كاملاً ، ألف .. باء .. ميم . لا تبقِ منّي سوى رغبتي في أن تظلَّ .. تأخذني ؛ كأنَّني كنزكُ الذي لا ينفد .

مُدَّ يدكَ الوفيرة لتنهبني .
لأنَّ من الأعاجيب أن يظلَّ منِّي شيءٌ لغيرك .
أنا الذي خطَّطتُ لذلك طويلاً،مثل أرملةٍ أضبُّ صدري المكشوف
وأرفع يديَّ لله : خذني الى البيت الآن !
لأنَّني لم يبق مِنّي شيءٌ لي .
..
أُقلِّبُ الكلامَ في فمي مثل قطعة الزنجبيل الحارّ .
هادىءٌ مثل شجرةٍ .
وعاصفٌ بالبكاء مثل امرأةٍ تجلسُ في ظِّلها
: لو أنَّك الآن هُنا .
..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى