مسيرة بين بساتين العراق للتشكيلية حياة جميل حافظ

يتضمن كتاب “حياة جميل حافظ.. الطبيعة والضوء واللون”، للكاتب علي إبراهيم الدليمي، أهم وأبرز ما كُتب عن الفنانة التشكيلية حياة جميل حافظ، إضافة إلى جلّ ما ورد في الصحف والمجلات من مقالات عن تجاربها ومسيرتها الإبداعية.

والكتاب، الواقع في 250 صفحة، يتضمن صورا فوتوغرافية ووثائق منشورة، وشذرات من بعض الذكريات لزملائها الذين عاصروها، فضلا عن كونه يحوي أكثر من 164 لوحة تنوعت بانطباعيتها وزهورها المتميزة، التي رسمتها بالألوان المائية على مدى مسيرتها الفنية الطويلة.

ويقول المؤلف الدليمي في مقدمة كتابه، الصادر بالعاصمة العراقية بغداد “إذ يشرفني أن أكتب البعض مما يجول في خاطري وذكرياتي عن مسيرة وتجربة وإبداع الأستاذة الرائدة، والإنسانة العطوفة والصديقة الوفية والزميلة الصادقة والأخت العزيزة، حياة جميل حافظ. لا يسعني إلا أن أنحني أمامها وأرفع قبعة الإعجاب، نظرا إلى جهودها الرائعة التي بذلتها في خدمة الفن التشكيلي العراقي على مدى وظيفتها في قسم التوثيق التشكيلي لدائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة والإعلام، من خلال ترجمتها وتوثيقها للعشرات من المقالات التشكيلية المتخصصة طوال أكثر من ربع قرن، فضلا عن كونها فنانة انطباعية رائدة معروفة، ولها بصمتها وأسلوبها المتميز في استلهام الطبيعة”.

ويضيف “وإذ أكتب عنها بشكل واسع وشامل، فإني قد زاملتها منذ بداية العقد الثمانيني وحتى الآن، رغم تقاعدها في بداية العقد التسعيني، وسفرها إلى خارج العراق، فأخبارها ومتابعة نشاطها الفني لم تنقطعا عني أبدا”.

ومن جهة أخرى تقول الفنانة حياة جميل حافظ “أنا أعتبر أن الحياة هي الماء والأرض، وبالنتيجة هي الطبيعة، فرسمي للشجرة أو الزهرة أو لجدول صغير يعني أني أرسم الحياة، لأنه من دون الطبيعة لا يمكن أن تكون حياة، فالحياة هي الطبيعة، والطبيعة ينبوع وربيع أخضر”.

ألوان الطبيعة

يبرز الكتاب أن حياة جميل حافظ، قد اختلطت ألوان الطبيعة مع صبغة لون دمها الذي يجري في شرايين جسدها، لكونها فتحت عينيها وهي بين أحضان الطبيعة نفسها، وأول مناغاة نطقتها بلغتها الخاصة هي مناجاتها للون وللضوء وللطبيعة؛ فكانت لها الزوايا المتميزة لكي تنهل وتستلهم منها أجمل لوحاتها التي قدمتها على مدى مسيرتها الفنية.

وكانت حياة جميل حافظ ما بين بساتين منطقة الكرادة الشرقية ومنطقة إرخيتة في داخل بغداد، وبين بساتين منطقة الفحامة الريفية على أطراف بغداد تشد حبل الوصل بينها بقوة، لتتواصل دون انقطاع في الاستزادة والإلهام، وتقول “لقد عشت حياتي وسط الخضرة وباستمرار، وكان تعاملي مع الطبيعة ليس تعاملا وإنما أصبح تعايشا، فأنا لم أقيد نفسي بالتخطيط الأولي بل أرسم مباشرة من الطبيعة”.

وكان أغلب إنتاجها الجمالي رائعا تهديه إلى عشاق فنها وإلى الأصدقاء، لنشر جمالية الطبيعة وروحانية الحياة بين الناس، ويقول المؤلف الدليمي “كنت قد رافقت تجربتها الفنية منذ العام 1980، حيث كانت تأتي يوميا، وفي ثنايا أصابعها بضع وريدات ملونة طبيعية من حديقة بيتها، لتضعها في إناء ماء، وتبدأ برسمها بعد أن تجعلها في تكوين فني جميل، وأحيانا تغيّر تكوينها بشكل آخر، وهكذا، وبعد إنجازها الرسومات توزعها على زملائها الموظفين معها في القسم، أو في أقسام الدائرة عموما، وهي فرحة جدا بعملها هذا، والحمد لله كان نصيبي منها مجموعة جميلة أحتفظ بها حتى الآن بكل فخر”.

وتستشف الفنانة حياة جميل حافظ بأن “الطبيعة مصدر الألوان، وانعكاسات الشمس عليها تجعل من اللون حالة من التوهّج، ومن ثم تحس بأن اللون هو في الحقيقة سقوط لنور الشمس على الأجسام، وتردد لموجات العين على الأشياء. فأنا أختار ألواني من تأثيرات الشمس على باقي الألوان الطبيعية، وباختصار ما هي إلا عملية (الضوء/ الشمس) تبقى المصدر الأساسي لتعامل الفنان مع اللون واكتشافه”.

فنانة الانطباعية

بدأت حياة جميل ولا تزال فنانة جادة وعاشقة بعمق للانطباعية، ترسم ما تقع عليه عيناها، ويشغف إليه قلبها، فهي تريد لكل ما ترسمه، أن يكون جزءا متمّما في مسيرتها الإبداعية، وتعتز به أيما اعتزاز، لأن عملها سيكون خالدا بالنسبة إليها، بل ويتخلد ذكرها به أيضا.

والمتتبع لأعمالها، سيلمس أن أغلبها تتسم بزوايا متميزة، في نظرها، وأحيانا حتى على حساب البعد الثالث، أو فضاء اللوحة الذي لا تكترث بالاهتمام به كثيرا، بقدر ما تقدم لوحة فنية، كما أنها لا تريد أن تكون رسامة مناظر (طبيعية/ تقليدية) على غرار التصوير الفوتوغرافي، بل تتسم بالاتزان التكويني لتوثق في لوحتها اقتناص مكان ما، أو طقسا لزمان كان.

وعادة ما تستلهم زاوية ما لنخلة أو لشجرة باسقة، ولكنها في الأعلى نراها لم تكتمل، لأنها أرادت بذلك نقل ما بين أو تحت هذه البواسق من جزئيات انطباعية، لا تراها إلا هي أو لأنها تشكل منظرا جماليا كجريان نهر صغير أو مشهد فيه أعشاب وزهور نادرة تحت هذه الأشجار، أو ممر ترابي متعرّج، أو تريد إبراز سيقان أشجار طويلة فقط، أو تعانق وريقات صغيرة تحت جذوع عملاقة، أو مشهد لهدير وانسياب شلالات، أو لأعمال أثناء موسم قطف الثمار، أو نساء قرويات وهن يحملن أواني معدنية على رؤوسهن لملئها بالماء. أما الفضاء عند فنانتنا حياة جميل حافظ، فغالبا ما يكون بمساحة محددة وضيقة جدا بين تشابك الأغصان وكثافتها، لتخرج لنا بالتالي عملا انطباعيا وفق رؤيتها الفكرية، بلمساتها الفنية التي كانت علامتها الفارقة وهويتها الأسلوبية في المشهد التشكيلي عموما، طوال أكثر من نصف قرن تقريبا.

المصدر: العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى