رحلة الموسيقى في البحث عن الأمير العادل

فاتن حموي

من «معبد باخوس» في بعلبك، تسافر الباحثة الموسيقية الفنانة عبير نعمة بحضورها وصوتها في حفلها المعنون «المتنبي مسافر أبداً» المقرّر مساء غد الجمعة ضمن «مهرجانات بعلبك الدولية». تنطلق إلى حيث سافر الشاعر أبو الطيب المتنبي. في طريقها إلى بعلبك نسألها عن سفرها وترحالها في عوالم المتنبي فتجيب قائلة: «لن أقدّم عملاً مسرحياً عن المتنبي ولن أقدّم أشعاره، بل استقيت فكرة الحفل من رحلته التاريخية الجغرافية في سفره وتعرّفه على الحضارات بداية من مسقط رأسه مروراً بإيران وحلب ومصر والحجاز ولبنان وبلاد الروم. سنستمع إلى مقطع شعري قد لا يتجاوز البيت الواحد أحياناً (صوت المتنبي: سامي وهبي) لنسافر بالموسيقى التقليدية إلى كل بلد زاره أو نفترض أنه زاره، أردنا أن نذهب أبعد ممّا ذهب المتنبي في رحلة بحثه عن الأمير العادل. سأقدّم أغاني معروفة وأخرى غير متداولة وبعض الجديد، بحيث تكون المحطات الغنائية متوازية مع الثقافة أو التاريخ أو الجغرافيا. هي مزيج ثقافي أنقله بأمانة من خلال المحافظة على روحية الموسيقى».
تضيف نعمة أنّ منسوب المسؤولية في أعلى مستوياته خلال التحضير لأمسيتها «وقفت على خشبة أهم مسارح العالم، إلا أنّ رهبة الوقوف في حضرة بعلبك لا تضاهيها رهبة. بعلبك حيث وقفت أيقوناتنا الفنية وعظماء الفنانين في العالم. مهرجانات بعلبك هي الأعرق ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة برمّتها. وكوني مسؤولة عن الحفل الفني من ألفه إلى يائه، وكونها المرة الأولى لي في حفل خاص بي في بعلبك، أشعر بمسؤولية كبيرة وفرح لا يوصف».
أهم لغة
ترى نعمة في الموسيقى والغناء أهم لغة تواصل «نحن بحاجة ماسة في أيامنا الحالية إلى لغة تواصل مشتركة. الموسيقى هي الأفضل لأنها تحكي حكاياتنا، وتعود بنا إلى عمق إنسانيتنا. نحن واحد في البداية والنهاية أينما كنا على وجه البسيطة. الصمت موسيقى والشعر موسيقى. نستطيع أن نخلق من خلال النص والموسيقى طاقة إيجابية توضح كم نحن واحد».
تضيف نعمة أنّها ستقدّم في حفلها الممتد إلى ساعة ونصف الساعة ما يقارب الثماني عشرة أغنية، منها ثلاث أغنيات من ألبومها الجديد من ألحان مرسيل خليفة المقرّر صدوره قريباً، «سأغني «الهجرة» من كلمات وديع سعادة، «غني قليلاً يا عصافير» من كلمات جوزيف حرب، و «يا نسيم الريح» للحلاج بلحن وتوزيع جديدين، إضافة إلى مجموعة أغنيات من ألحاني وألحان وسام كيروز وجورج نعمة من أشعار المتنبي منها «في سفري وترحالي»، و «على قدر أهل العزم»، كما سأقدّم أغنية جديدة من ألحاني ومن كلماتي وكلمات لوكاس صقر ومن توزيع المؤلف والملحن النروجي Ingov Haaland بعنوان «يا ترى» من المقرّر أن تبث عبر الإذاعات اللبنانية بعد أيام من الحفل من توزيع جورج قسيس، و «أفرح يا قلبي» من كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي وغيرها».
تقف نعمة إلى جانب سبعة عشر عازفاً محاطة بسبعة ضمن الكورال المرافق لها، «التحضير الموسيقي تولاه مارك أبو نعوم الذي سيكون حاضراً على البيانو، وسنسافر مع الأغاني الكلاسيكية والطربية والشعبية، مراعين نقطة الالتقاء في انسيابية الموسيقى مهما اختلفت الأنماط الموسيقية في كلّ عمل نقدّمه».
تشعر نعمة أنها مغلّفة بالفخر لأنّها عملت كثيراً لتنقل بأمانة إحساسها وخياراتها الفنية «هناك ضيوف من أهم الموسيقيين سيرافقونني في أمسيتي هم: Tahmoures Pournazeri الذي يُعتبر من أهم عازفي «التار» كما يعزف على «الستار» و «الطنبور» و «الدف»… ومن أهم المؤلفين الموسيقيين في إيران، استطاع تغيير نهج التأليف الموسيقي في إيران، و Emmanuel Hovhannnisyan من أرمينيا وهو من أهم عازفي «الدودوك» في العالم، ومن إسبانيا الموسيقي والملحن Jose Luis Foxo الحائز جائزة من الملكة صوفيا كونه يمتلك أكبر كمية من المزامير في العالم ومدير أهم فرقة مزامير في العالم. مؤلف لعشر كتب عن الموسيقى التقليدية القديمة وترجمت كتبه لأكثر من سبع لغات، وهو من أوصل آلات النفخ إلى مكانتها الحالية في العالم».
إثنوفوليا ـ موسيقى الشعوب
تقدّم عبير نعمة وتعدّ عبر شاشة «الميادين» برنامجاً وثائقياً بعنوان «إثنوفوليا ـ موسيقى الشعوب» يعتبر الأول من نوعه في العالم العربي والعالم من إنتاج «الميادين». تجوب نعمة بلاد العالم بحثاً عن الموسيقى الإثنية أو التقليدية وأشخاص ما زالوا يؤدّون هذه الأنماط، من الغناء إلى الرقص إلى التقاليد اليومية فتعيش معهم وتطبخ معهم وتتعلّم موسيقاهم وتغنّي وترتجل معهم وتشارك معهم صناعة آلاتهم الموسيقية. يعرض حالياً الموسم الثاني من البرنامج الأحد التاسعة مساء ويتضمّن 26 حلقة مدّة كل منها 53 دقيقة، من الهند إلى المغرب وهنغاريا وصعيد مصر واليونان وأذربيجان وسردينيا ولبنان وإيطاليا وغيرها. تحمل نعمة صوتها وشغفها لتنقّب عن مكامن الجمال لدى الشعوب في الحضارات والأنماط والأنغام والأسرار لتنقلها إلى المشاهدين.
عرض «الميادين» الموسم الأول في العام 2014 على مدى ثلاث عشرة حلقة مدة كلّ منها 26 دقيقة. تعتبر نعمة أنّ الموسم الأول كان بمثابة رحلة سريعة معمّقة على أنماط موسيقية في إيران واسبانيا أرمينيا وتركيا، وإثر انتهاء الموسم الأول طلبت منها إدارة «الميادين» التعمق والتوسّع في البرنامج على أنواع موسيقية أخرى ودول أخرى. «صوّرت في كل بلد 3 أو 4 حلقات، كل حلقة هي حالة بحد ذاتها وتحكي عن نفسها. البرنامج هو نتاج عمل فريق كبير. القناة فتحت لي المجال للتعبير ولديهم ثقة مطلقة. قدّمت المادة وعرضوها كما هي. تضيف نعمة أنّ فكرة البرنامج مشتركة بينها وبين زوجها الباحث الموسيقي جوليو عيد، وتنفيذ الإنتاج لشركته «إثنوفوليا»، أمّا الإخراج فقد كان من مسؤولية شقيقها جورج نعمة على مدى عشرين حلقة «جورج مخرج موهوب ولديه ساحات جميلة ليخترقها. كان من الضروري أن يكون المخرج يشبهني موسيقياً، ناهيكم عن إبداع صورته. هناك ست حلقات من إخراج الفرنسية العريقة Aurelie Chauleur . وعملنا مع مجموعة كبيرة من الباحثين الموسيقيين والموسيقيين من كل البلدان التي زرناها للتدقيق في كل معلومة نعلنها عبر البرنامج، ومن بينهم آلان فيبير وهو الرقم واحد في عالم الموسيقى. تختم نعمة بالقول: «تتطور فكرة البرنامج مع كل مكان نزوره وتحمل سياقاً مختلفاً. غيّرني البرنامج إنسانياً وأشعرني بعدم وجود الحدود. أرى أن النتيجة هي أن نتضامن مع بعضنا البعض وأن نعي أنّ الاختلافات تغنينا. البرنامج هو رحلة إنسانية قبل أي شيء آخر بالنسبة إليّ».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى