«بيروت آرت فير».. اختلافات النكهة اللبنانية وتجاربها

محمد شرف

إذا شئنا أن نقيم عنصر المشابهة بين «بيروت آرت فير» وما يتماثل معه من نشاطات تُقام في بلدنا، لقلنا إنه النسخة الفنية التشكيلية من «معرض الكتاب»، مع الأخذ في الاعتبار أمراً بديهياً يتعلّق بطبيعة ما يراه المتلقي أمام ناظريه، بالإضافة إلى الاختلاف الثاني في علاقة المتلقي مع الشيء المعروض، واختلاف طبيعة المتلقين أنفسهم. فمن يود أن يقصد المعرض فعليه أن يتحلّى بالقدر الأدنى من الثقافة الفنية، وإلاّ فسيكون كمن يسبح في المجهول، كما أنه، من جهة أخرى، إذا كان شراء الكتب من معرض الكتاب متاحاً لأكثرية المتجولين بين أقسامه، فإن شراء الأعمال الفنية من «بيروت آرت فير» قد يكون مقتصراً على نخبة مختارة من جامعي الأعمال الفنية. على أن الفائدة الرئيسية لـ «بيروت آرت فير» تتمثل في كونه، بحسب اعتقادنا، من أهم النشاطات الفنيّة التي تتيح للجمهور اللبناني التعرّف على منتجات الفن التشكيلي في تنوعها الواسع، بعدما أصبحت التجارب الفنية على قدر كبير من الاختلاف، ما يُعتبر، في حد ذاته، أمراً صحياً في المجال الثقافي، إذ لم يعد المنتج الفني يعتمد، في جزء وافر منه، على التقليد بقدر السعي إلى استنباط أشكال فنيّة جديدة، وإن كانت هذه الأشكال لا تعلن الطلاق الكامل مع الماضي الفني.
وما من شك في أن «بيروت آرت فير» كان قد شهد تطوراً من نواح عدة، منذ إقامته للمرة الأولى وحتى العام الحالي، أكان ذلك من حيث عدد صالات العرض المشاركة، أم من حيث عدد الفنانين العارضين، وما يرتبط بذلك من عدد الأعمال المشاركة، إضافة إلى إيرادات المبيعات وعدد الزوار، وأخيراً من حيث موقع هذا الحدث ضمن النشاط الفني ككل في بلدنا.

معارض استثنائية
معرض «بيروت آرت فير» كان قد تأسس عام 2010 بقيادة لور دوتفيل، الصحافية السابقة والقيّمة على المعارض، وتولّى خبير الفن الحديث والمعاصر باسكال أوديل مهمة الإدارة الفنية للمعرض، إلى جانب مديرة المساحات مارين بوغاران. كان المعرض قد استقبل 21000 زائر في العام 2015، ممن اطّلعوا على ما قدمته 52 صالة عرض قدمت من 19 بلداً، وشارك في المعرض 300 فنان بـ1500 عمل فني. أظهر معرض السنة الماضية دينامية فنية، عمل المنظمون على تعزيزها هذا العام، لكونها إحدى الواجهات والمنصّات الفنية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، وذلك من خلال علامة وشعار جديدين كي يعكسا البعد العصري والدولي للمعرض، ومن خــلال إقامــة معرضين جديدين هما: «ليبــانون مودرن» الذي يرصد مساهمات فنانات الحداثة في لبنان بين عامي 1945 و1975.
يتضمن المعرض المذكور مجموعة مختارة من أعمال فنانات كسلوى روضة شقير وهيلين الخال وإتيل عدنان وإيفيت أشقر وسيتا مانوكيان وأخريات (لا يسمح المجال لذكرهن جميعاً)، وكان قد جرى انتقاء هذه الأعمال من مجموعات خاصة، وأيضاً من وزارة الثقافة، كي يسلّط الضوء على الطاقة الخلاّقة التي تمتلكها المرأة – الفنانة. هذا، مع الإشارة إلى أهمية مساهمات هؤلاء الفنانات في عملية تطوير الفن اللبناني الحديث وإيصاله إلى المستوى العالمي، بعدما صارت أعمالهن تحتل حيزاً مهماً في المجموعات الخاصة، وحتى في المؤسسات الدولية كمركز بومبيدو في باريس، أو «تيت» في لندن.

فنانون واعدون
أما المعرض الاستثنائي الثاني، فهو يرمي إلى تسليط الضوء على المواهب الشابة الواعدة، بهدف تسهيل اكتشافهم من قبل الجمهور، وإتاحة الفرصة لصالة العرض من أجل تقديم الفنان الواعد إلى الجمهور، مع إمكان إقامة علاقة وثيقة مع جامعي الأعمال الفنية وزوار المعرض. تشارك في هذا المعرض، خلال الدورة الحالية، 27 صالة عرض، وتمّ اختيار 27 فناناً، بعدما خضعت عملية الاختيار هذه لموافقة لجنة مؤلفة من بعض هواة الفن المعروفين في المنطقة. ضمّت هذه اللائحة فنانين ينتمون إلى بلدان عدة في آسيا وأفريقيا، وبعض الفنانين الأوروبيين، ومن الفنانين اللبنانيين الذين وردت أسماؤهم نذكر: أسامة بعلبكي وشربل عون وغادة الزغبي، بالإضافة إلى آخرين من العرب وغير العرب.
تجدر الإشارة إلى أن في المعرض، في دورته السابعة الحالية، 45 صالة عرض قادمة من 20 بلداً حول العالم، بما فيها القارة الأميركية، علماً أن الأكثرية الساحقة من صالات العرض تقع في قارتي آسيا وأفريقيا، مع مشاركات تزيد عن السابق من القارة الأوروبية، كما سبق ذكره.
كما لا بد أن نشير، أيضاً، إلى أن «بيروت آرت فير» أضحى، في السنوات الأخيرة، ذا أهمية على الصعيد الدولي، ويطمح إلى منافسة أسواق الخليج التي ازدهرت بدورها في الفترة الأخيرة، لكن «النكهة اللبنانية» تبقى ذات أثر مختلف، أكان من حيث طبيعة الزوار، أم من حيث موقع المعرض ضمن المشهد الثقافي العام.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى