هشام جارودي: حياة ملوّنة

صقر ابو فخر

صدر حديثاً كتاب فاخر مطبوع بالألوان بعنوان «من القلب: هشام عزت جارودي» (إعداد فاطمة قدورة الشامي، بيروت: 2016). وهذا الكتاب الأنيق ليس مجرد كتاب عن هشام جارودي وعائلته وسيرته الشخصية فحسب، بل هو كتاب عن بيروت وتاريخها الحديث وعائلاتها وأَعلامها ومدارسها وأسواقها ومؤسساتها وغير ذلك. وهو يروي سيرة صاحبه منذ مولده في بيروت سنة 1942 ودراسته فيها حتى تخرّجه مهندساً، ثم عمله في لبنان وقطر. ونعثر بين صفحات الكتاب على شغف بالكلام على الجامعة الأميركية ورفاق الدراسة، وعلى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية والنادي الرياضي. ويكشف الكتاب جوانب من دور هشام جارودي في تأسيس شركة سوليدير التي أرادها إحياءً لبيروت القديمة التي عاش صاحب السيرة في أسواقها وشوارعها وأماكنها، ولا سيما أن والده عزت كان تاجراً في شارع فوش في قلب المدينة. غير أن مجريات الأحوال لم تُعِدْ قلب المدينة إلى ما كان عليه، واندثرت الأمكنة التي كانت تستولي على ذاكرة صاحب السيرة مثل الأوتوماتيك ومروش وباتيسري سويس ودور السينما.. الخ.
ويلوح لي ان هذا الكتاب بصفحاته الكثيرة (325 صفحة) وصوره الأكثر (257 صورة) هو كتاب بيروتي خالص، فلا حضور فيه لطرابلس أو صيدا مثلاً إلا كإشارة عابرة، وقد صبّ اهتمامه على جوانب من السياسة العامة في بيروت منذ حوادث 1958 وصعود نجم صائب سلام، حتى تسلم رفيق الحريري زعامة السُنّة ثم استشهاده بالطريقة المألوفة. وفي هذا السياق يغيب الفلسطينيون عن المشهد السياسي ويحضرون فقط من خلال مواقف صائب سلام، خصوصاً في أيار 1973. وكذلك يغيب السوريون إلى حد كبير. وذلك الغياب ليس نقيصة تماماً، فالكاتب تحدث عن تجربته هو، ولم يكن يؤرخ الحوادث السياسية أو الأماكن إلا إذا كانت مرتبطة بسيرته، فلا آل الصلح يظهرون في الكتاب ولا حتى عبدالله اليافي وحسين العويني، .
يُفصح هشام جارودي أن الرئيس رفيق الحريري كان يسجل العقارات التي يشتريها، والتي لا يريد أن يظهر اسمه عليها، باسم هشام جارودي أو باسم زوجته لينا عمر اللبان أو بأسماء أولاد صاحب السيرة، ثم ينظم تنازلات بهذه العقارات. ولعل ذلك من طبيعة الأمور، فصاحب السيرة هو مستشار الرئيس رفيق الحريري، وأعدَّ مع آخرين مشاريع قوانين الوسط التجاري لبيروت، واختلف في هذا الأمر مع هنري إدة وعاصم سلام اللذين اختلفا في هذا الشأن مع الرئيس الراحل رفيق الحريري. ومهما يكن الأمر، فإن هشام جارودي يُفصح أنه «قَرْزَمَ» الشعر في بعض مراحل حياته، وحبذا لو أصبح شاعراً حقاً، لأن بيروت لم تلد في تاريخها المعاصر أي شاعر مُجيد. وقد اكتفى من الشعر بعشق الرياضة والخط والشعراء ولا سيما نزار قباني الذي أفرد له صفحات وافية من هذا الكتاب. كان صاحب فكرة هذا الكتاب الوزير محمد المشنوق الذي بادر إلى تسجيل ذكريات متناثرة لهشام جارودي، وتدوين إنجازاته بالتفصيل. وقد أُذيعت بعض هذه الذكريات في برنامج إذاعي. ثم تحوّل ذلك كله كتاباً ضم بين دفتيه كلمات تصديرية للرئيس تمام سلام والرئيس سعد الحريري والوزير محمد المشنوق. وفي الكتاب عرض مصوّر لإنجازات الرئيس رفيق الحريري العمرانية، وللنادي الرياضي، علاوة على رثائيات كتبها صاحب السيرة عن عاصم سلام وسميح الصلح وسلام الراسي وأنطوان الشويري وأمين علامة وجبران تويني وخليل نحاس وعبد الرحمن حورية ومنير الخطيب وشفيق جحا وماجد مسلم ورفيق الحريري وأنطوان شارتييه، فضلاً عن كلمته إلى وليد عوض وكلمة أخرى في مناسبة إطلاق اسم صبحي المحمصاني على أحد شوارع بيروت، وكلمة إلى صلاح سلام في اليوبيل الذهبي لجريدة «اللواء».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى