الأعلى للثقافة يحيي الذكرى الأولى لرحيل الغيطاني

مرفت واصف

قام المجلس الأعلى للثقافة أمسية ثقافية إحياءً للذكرى الأولى لرحيل الروائى الأديب الكبير جمال الغيطاني، بحضور الكاتب الصحفي حلمي النمنم وزير الثقافة، ود. أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وحشد من الكتاب والأدباء والمثقفين والمبدعين.

أكد النمنم على أن رحيل الأدباء والمثقفين يمثل جرحًا غائرًا فى جسد الوطن لما يتركوه من فراغ كبير فى الساحة الثقافية، كما أن هذه المناسبة تأتي بعد أيام معدودة من خسارة رمزين يُعدان من أهم رموز للثقافة المصرية والعربية، وهما: الكاتبة د. نعمات أحمد فؤاد، وكانت هي والروائي الكبير جمال الغيطاني على نفس الدرب، درب الحفاظ على الوطنية المصرية، أما الرمز الآخر الذي فقدناه فهو الشاعر الكبير فاروق شوشة، فهو من قدم اللغة العربية إلى آذان المصريين، ثم طالب النمنم الحضور بالوقوف دقيقة حدادًا على روحهما.

وأكد وزير الثقافة، أن الغيطانى، أحد المثقفين الذين أثروا الحياة الإبداعية، لافتًا إلى أن الحديث عنه في جلسة واحدة لن يفي بحقه، فهو واحد من بناة الثقافة والأدب في مصر والوطن العربي، ومؤسس جريدة “أخبار الأدب”, وطالب النمنم د. أمل الصبان ومقرري لجنة القصة والشعر بالمجلس, أن ينظم المجلس الأعلى الثقافة مؤتمرًا أدبياً كاملًا يتناول إنتاج الغيطاني الأدبي ومسيرته ودوره الثقافي، مؤكدًا أن هذا المؤتمر سيشارك فيه كتاب ومثقفون من مصر والوطن العربي, مشيراً إلى أن كتاب “المصريون والحرب من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر”، وهو الكتاب الذي صدر في أعقاب حرب أكتوبر، يتناول تجربة الغيطاني الشخصية في الحرب، مؤكدًا أن مصر تشهد حرب استنزاف في هذه اللحظة، ولكنها حرب من نوع آخر، وهذه المرة تقودها جماعة الإخوان، وكل الجماعات المنبثقة منها، ولا تقل خطورة عن حرب الاستنزاف الأولى.

وقالت د. أمل الصبان إننا نلتقي اليوم في ذكرى مرور عام على رحيل الكاتب جمال الغيطاني، الذي يُعد أحد الأصوات الروائية الأصيلة في نصف القرن الأخير، حيث أسهم بإنتاجه الروائي الغزير في تشكيل ملامح فن الرواية العربي، وفي ترسيخ مكانته في الأدب العالمي المعاصر، وينتمى الغيطانى لجيل الستينيات من كتاب الرواية في مصر، وهو الجيل الأهم في تاريخ الرواية العربية، فإذا كان نجيب محفوظ هو المؤسس الحقيقي لهذا الفن في أدبنا العربي الحديث، فإن جيل جمال الغيطاني هو الذي انتقل بهذا الفن إلى آفاق جديدة، وأحدث نقلة نوعية في أشكاله الفنية ومضامينه الحضارية، ورسخ وجوده على خريطة الأدب في العالم، كما أضافت الصبان أن ترجمات أعماله نالت رواجا غير مسبوق ووضح للقارئ غير العربى عوامل لم يكن يعرفها. فكان دائم البحث عن الأبدية.

وطالبت ماجدة الجندى الوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء القوات المسلحة, ثم ألقت كلمتها قائلة إنها حتى الآن لم تبك على جمال الغيطاني، لأنني توصلت إلى صيغة مع نفسي أنه مازال معنا، موضحة أنها لم تتعود الكلام أو الكتابة عنه، لذا لا تنتظروني أكتب عنه، فقط أنا عشته إنسانا وكاتبا ومثقفا رفيعا محبًا للحق، وعارفا بوطنه مصر.

كما قال الكاتب محمد سلماوي، سلكت مع الغيطانى دربا واحدا خلال فترات كبيرة، فقد جمعنا الأستاذ والأديب الكبير نجيب محفوظ، حتى أصبحنا توأمًا في الأدب والسياسية، فكلانا انتمينا لجيل ثورة يوليو، جمع الغيطاني بين الأدب والصحافة, كان متعدد المواهب بشكل كبير, كانت هواياته الموسيقى ولديه مكتبة موسيقية في منزله, أكاد أشك أن توجد في أي من منازل مصر, كان لديه من الموسيقى الإيرانية والتركية آلاف الآف من الساعات المسجلة, كان في القلب منه حب الوطن ومصر واستمرارية التاريخ المصري.

وأضاف سلماوي أن الغيطانى من الأدباء القلائل الذين لم يعتمدوا على نجيب محفوظ في ترجمة أعمالهم رغم علاقته القوية بمحفوظ والذي ساهم في إهتمام العالم بالأدب العربي, وطالب سلماوي بتخليد الغيطانى من خلال عمل دراسات لأعماله, لأنه لم يأخذ حقه من خلال دوره النقدي.

وطرح سلماوى مبادرة لتأسيس جائزة سنوية باسم (جمال الغيطاني) قائلًا سيشرفني أن أكون أول المؤسسين لهذه الجائزة، بحيث أن تعتمد تمويلها من خلال مساهمة المثقفين والكتاب ومحبى الغيطاني بما يقدرون عليه، ثم تقوم وزارة الثقافة المصرية بالإشراف عليها، ولا يهم القيمة المادية للجائزة؛ فقيمتها الحقيقية تكمن في أنها تحمل اسم الغيطاني.

ثم شارك الأنبا بسنتي بكلمة مختصرة قائلًا: “أحيي كل من قام بهذه الأمسية للراحل جمال الغيطاني؛ فهو شخصية جميلة تستحق كل تكريم، وكل حب لأنه كان قريبا من الكل، وكان يتعامل ببساطة, وكلانا أصدقاء منذ سنوات, فكما يقول المثل الشعبي: من أحبه ربه، حبب فيه خلقه.

وأضاف بسنتى أن الشخصيات العميقة المؤثرة مثل الغيطانى تعيش في قلب الشاعر وتتحول إلى أناشيد وأغاني, كل التحية لمن قام على هذه الأمسية وتحيا مصر”.

وأشار د. صلاح فضل إلى إن الثقافة العربية فقدت هذا الإسبوع علمين عظيمين هما نعمات أحمد فؤاد التي تُعد نموذجاً فذاً للمرأة المصرية ووقفت في وجه الطوفان وعارضت رؤساء ووزراء, انتصرت للحق, وإنتصر بها الحق, والآخر فاروق شوشة، واحد من الذين صاغوا أجيالا متتابعة وشربوها عشق الفن والإفتنان بالجمال. وحلت ذكرى الراحل الغائب الحاضر الغيطاني, فهم الاّن وسيظلون مع غيرهم صناع ثقافتنا العربية, صناعها في وجهها الفكري والإبداعي واللغوي والوطني.

وأضاف فضل أن الغيطاني بعد عام من رحيله لم يخف الوهج الذي صنعه بمعاركه وإشعاعاته وعباراته وإبداعاته ومقالاته اللاذعة, مؤكداً أنه بقي نور هادئ جميل مستمر ومستقر لا يكمن على رفوف المكاتب, وإنما يكمن في أيدى القراء, اشترك في عصر الصورة والكتابة, وأحيا الصحافة الثقافية وعهد الرسالة والمجلة بشكل أدبي متطور ومتنوع, وعندما أصدر “أخبار الأدب” عادت مصر الى أن تكون مركز إشعاع في وطنها العربي وعاد المثقفون العرب.

وأوضحت المخرجة السينمائية والتلفزيونية أنعام محمد علي أن فيلم “حكايات الغريب” مأخوذ من أحد المجلدين الذين صاغهما الغيطانى من خلال إنجازاتة كمراسل حربي.

وقال د. حسين حمودة إن الغيطاني هو الحاضر معنا, راهن على أن يدافع سطوة النسيان, تعلم الدرس من أجداده الفراعنة فكرة الخلود الذين قدموا له الدرس الذي انطلق منه هو وحولها إلى دروس لنا, قاوم الغيطاني في كل ما كتب أشياء كثيرة قد تصل بالقبح والتسلط والظلم والتعصب, وحاول أن يصل الى قيم تعكس ذلك, رصد تجاربه الحافلة وتأملاته الثاقبة ووهب لنا ما يفوق هبة راصد, بعد عام من رحيله بقي لنا من الغيطاني ما هو أبعد وما هو أقرب من الدموع وما هو أكبر وأبقى من الذكرى أن يبقى وللدموع أن تنعى وتجف.

وأشار إكرام بدر الدين الى أن الادب هو مراّة تعكس كل ما يتواجد وما يمر به المجتمع من تطورات وعهود سياسية, فالغيطاني هو من يعكس هذه القيم وله إسهامات كثيرة سواء من الناحية السياسية أو الأدبية.

وقال د. إبراهيم فوزى، أنه يشعر بفخر وسعادة، لحضور ذكرى رحيل جمال الغيطاني، فقد كانت تجمع علاقة قوية بينهما منذ أواخر التسعينيات، مضيفا كان محبا للحياة.

كما قال د. أحمد درويش: إن جمال الغيطانى يمثل القوة الناعمة المؤثرة لتضع لمصر في مكانتها، فهو روائي راسخ صاحب ثقافة واسعة، فهو من بين جيل الستينيات الذين ارتادوا آفاق جديدة في السرد العربي.

وقال المخرج خالد يوسف، إن جمال الغيطاني واحد من ضمن معلميي الذين تعلمت منه الكثير، مضيفا أن المخرج يوسف شاهين كان مفتونا به.

واستعرض خالد يوسف إحدى الذكريات التي جمعته بيوسف شاهين، حيث إنه شاهد الغيطاني يقبل يد يوسف شاهين، وعندما سأله لماذا قبلت يده قال له إنه في منزلة والدي, وأضاف يوسف أن الغيطانى كان من بين الشخصيات المتواضعة، وفي آخر لقاء جمع بينه وبينه بكى على حال مصر بعد عام 2013 وموجة الإرهاب، مضيفا أن الغيطاني التقى بالرئيس عبدالفتاح السيسي لكي يوصيه على مصر.

وقال الكاتب القصصي سعيد الكفراوي حين أتكلم عن صديقي وأخي الغيطاني أذكر 50 عاماً قضيناها في قلب الثقافة المصرية, له رواية من أهم أعماله وهي “شطح المدينة”, وهي تتحدث عن الهوية والبحث عن ملاذ ومصير ومأوى كتبها بلغة مفارقة.

وأكد الكفراوي أنه بغياب جمال غابت أشياء كان يشعلها ويُحدثها, غابت أسئلة الثقافة والبحث عن كُتاب جُدد وغاب اهتمامه بكشف الفساد والمفسدين, كان مشغولا بسؤال المصير والكينونة مثل نجيب محفوظ.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى