الشاعر العماني ناصر البدري: اليأس أول الجمال

زكي الصدير

تأتي مجموعة “لا ماء في النهر” للشاعر العماني ناصر البدري بعد ثلاثة مجاميع شعرية تنوّعت بين العامية والفصحى، بدأها بباكورة أعماله “الليل كله هلوسة” عام 2001، ثم تلاها بمجموعة “هل؟” عام 2008، و”ملائكة الظل” التي صدرت مؤخرا في العام 2014.

ضيفنا البدري يشتغل بشكل متواز على قصيدتي الفصحى والعامية الخليجية، وقد لحن له في وقت سابق الفنان البحريني خالد الشيخ مجموعة من القصائد غناها مطربون من العرب والخليج، بالإضافة إلى كلماته التي غنتها مجموعة من الفنانين العمانيين كماجد المرزوقي ومحمد المخيني وفتحي محسن وغيرهم. ولذلك لا غرابة في أن يعكف البدري حاليا على إصدار مجموعة شعرية شعبية ستحوي نتاج ما كتبه خلال الأعوام من 2001 وحتى 2016.

ولم يتوقف البدري عند الشعر، فقد كان مشغولا أيضا بالإنتاج التلفزيوني لمواد فنية كان يستشعر من خلالها الحالة الوطنية والثقافية لبلاده، ففي الفترة التي عانى منها الإنتاج الدرامي العماني من السطحية قدّم البدري العديد من الأعمال ذات المضامين الجادة والعميقة، كان أشهرها مسلسل “توين فيلا”، والمسلسلين الكرتونيين “يوم ويوم”، و”الفرقة 9”. إلا أن الشركة توقفت بعد 5 سنوات من محاولة التغلب على العثرات المالية للإنتاج الدرامي.
لا ماء في النهر

مجموعة “لا ماء في النهر”، الصادرة مؤخرا عن دار سؤال بلبنان، هي عبارة عن مجمل القصائد التي كتبها البدري خلال الأعوام من 2000 إلى 2016، فبالرغم من أن المجموعتين الشعريتين اللتين نشرهما قبل هذه المجموعة صدرتا خلال هذه الفترة الزمنية، إلا أن المجموعة الأولى “هل؟” كانت تحوي مجمل القصائد التي كتبها في الفترة من 1994 وحتى العام 2000، أما “ملائكة الظل” فقد كانت تحوي النصوص التي عنونها بأسماء أشخاص، وكتبت في الأعوام من 1998 وحتى 2014، لذا تأتي “لا ماء في النهر” لتضم النصوص التي لم تنشر خلال تلك الفترة، وحتما سيجد القارئ تنوعا كبيرا تحويه النصوص بحكم الزمن أولا ومحراث التجريب ثانيا.

ويقول البدري في حديثه عن مجموعته الشعرية الأخيرة، إن “إحدى الإشكاليات التي واجهته أثناء إعداده لهذه المجموعة هي الثيمة التي تسمح بتجميع هذه النصوص في كتاب واحد، وبعد تمحيص وإعادة قراءة اتضح أن معظم النصوص تشترك في ثيم متقاربة كاليأس والفقد والخذلان، ومن هنا جاء عنوان المجموعة ‘لا ماء في النهر’ ليمثل هذه الثيم/النصوص مجتمعة”.

ولدى البدري قاموسه الشعري الخاص، ولغته الشعرية التي يتفرّد بها عن مجايليه من الشعراء في عمان ومن الوطن العربي، ولعل القارئ سيلمس في تجربته مدى حساسيته من المفردة الشعرية المتماهية مع الحياة اليومية ليقف على الوطن، والحبيبة، والحانة، كما سيقف على الفقر، والخوف، والقلق الوجودي من كائن الغيب، ومستقبل الحياة. وسيجد وسط هذا التنوّع الشعري الخاص عوالم لا تتأتى إلا في طقوس عمان وتفاصيل حياتها البحرية الجبلية.

وعن ذلك يعلّق شاعرنا البدري بالقول “اختلاف القاموس اللغوي لأي كاتب كان شكلا من أشكال الثراء اللغوي والجمالي لذات الكاتب ونصه، وهو بذلك يعتبر إضافة جمالية للمنتج الإبداعي الإنساني العام، ولهذا لم نر في يوم من الأيام أن اختلاف اللغات واللهجات وقف حائلا أمام شغف الإنسان في اكتشاف مكامن الإبداع لدى الأمم أو الحضارات الأخرى المعاصرة منها أو تلك التي سبقته بالآلاف من السنين، بل تعدى به الشغف إلى القيام بترجمة النقوش الحجرية ليكتشف نصوصا أدبية ملحمية”.
مع أو ضد

يرى البدري أن تشكيل الكاتب لقاموسه اللغوي الخاص أمر في غاية الأهمية إذ أنه، بحسب تعبيره، إلى جانب ما يمنحه هذا الأمر من فردانية ويفتح له مجالا أوسع في تشكيل الصورة الشعرية، فإنه أيضا يحافظ على مكونات الإرث اللغوي لمجتمعه وهو ما يعتقد بأنه يقع ضمن المسؤولية الأدبية اللاشعورية للكاتب.
ويؤمن ضيفنا بأن الإنسانية لن تنفك تحتاج إلى الجمال بكافة أشكاله وأطيافه من شعر وموسيقى وتشكيل مهما بلغ بها الحال من بؤس، بل إنه يكاد يجزم بأنه كلما ازداد يأسنا كلما ازدادت شهيتنا للجمال. ولأن الشعر والجمال صنوان لا ينفصلان لذا نتبيّن في حوارنا مع البدري، أنه موقنٌ بأن القصيدة الصادقة قادرة على إضاءة المجهول وإشاعة الحب، حيث يقول “كل شيء ممكن بالكلمة بل إن كل شيء كلمة”.

يقول ضيفنا البدري، عضو مؤسس للجمعية العمانية للكتاب والأدباء وكان نائبا لرئيسها، ثم رئيسا لها بين عامي 2006-2007 قبل التحاقه للدراسة في بريطانيا والاستقرار بها، عن تجربته في الجمعية و مآلاتها الحالية “الجمعية حديثة النشأة إذ تأسست في العام 2004 بعد أعوام من المطالبات، وبالتالي فإن الفترة التي ذكرتها كانت فترة تأسيسية بالمعنى الحرفي للكلمة، لهذا سعينا أولا لانضمام الجمعية إلى اتحاد الكتاب العرب، كما قمنا بصياغة وتنفيذ أول نظام انتخابي بالشكل الحديث في عالم الجمعيات بالسلطنة، هذا بالإضافة إلى الفعاليات الثقافية النوعية التي كانت الجمعية تقوم بها، كما كنا نتفاعل مع كل حراك مدني يدفع بحرية الكلمة، ونقف في صف الكتّاب متى ما حوصرت أقلامهم، سواء كانوا أعضاء بالجمعية أو لا، فجمعيات المجتمع المدني، وعلى اختلاف اختصاصاتها، تشكل من وجهة نظري واجهة لصورة البلد الذي تنتمي إليه ككل وليست واجهة لأعضائها فحسب”.

ويتابع البدري قوله في ذات الشأن “الجمعية اليوم أقرب لأن تكون دائرة فعاليات من أن تكون جمعية مجتمع مدني، وهو أمر محزن أن نرى هذا التراجع في دور مهمّ من أدوار الجمعية، ولا نجد التفاعل العلني المنشود من الجمعية تجاه العديد من القضايا التي يتعرض لها الكتّاب العمانيون ومعظمهم من أعضائها، وتكتفي بفعالية هنا وأمسية هناك”.

وقادنا ملف الجمعية إلى سؤاله حول المثقف العماني وعلاقته بالسلطة، لا سيما بعد الربيع العربي وانقساماته في أكثر من ملف بالإضافة إلى سلسلة من الاستدعاءات الأمنية والاعتقالات للصحافيين وللمثقفين العمانيين والتي طالت شاعرنا البدري قبل أشهر. ويجيب ضيفنا “من حسن الحظ أن الاختلاف في المشهد العماني لم يتم على أساس طائفي، على الأقل ظاهريا، بالرغم من التنوع الثقافي للمجتمع، لذا لا نرى أو نلمس أي شكل من أشكال اللاتجانس أو التصادم بين الطوائف أو المذاهب في عمان. أما ما حدث مؤخرا فيمكن وصفه وفق صيغة مبسّطة بأنه تقسيم يتكون من خانتين ‘مع” أو ‘ضد”، فكل صوت يمجّد الأداء ويبتعد عن النقد فهو في خانة مع أما من ينتقد ويفنّد أخطاء هذا الأداء، حتى وإن كان مصيبا، فهو في خانة ضد”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى