أيام قرطاج المسرحية تنتصر للمرأة العربية

صابر بن عامر

احتفت بعض العروض المسرحية العربية المقدمة ضمن فعاليات الدورة الـ18 لأيام قرطاج المسرحية بالمرأة، سواء من حيث النص أو الأداء الذي جاء في المسرحية المصرية “يا سم” بشكل خاص نسائيا خالصا.

والمسرحية الراقصة من تصميم ركحي لشيرين حجازي، وإخراج موسيقي وعزف حي لعازفة الطبلة صابرين الحسامي، فيما أدت الرقصات كل من شيرين حجازي وأماني عاطف ونغم صلاح عثمان.

والعرض عبارة عن مجموعة من الرقصات الاستعراضية تقوم بها مجموعة من الفتيات يستعرضن من خلالها ظاهرة التحرش الجنسي بالمرأة، والنظرة الشهوانية لها من قبل الرجال في الشارع المصري، في محاولة منهن لمحاربة فكرة النظر إليهن على أنهن “أجساد” فقط.

عرض يدوم 45 دقيقة دون كلام ولا ثرثرة حوارية عدا بعض الكلمات في مقطع قصير لا يتجاوز الدقيقتين، حيث تلفّظت الفتيات الثلاث ببعض الكلمات التي تعوّدن سماعها من رجل الشارع الذي لا يتورّع في مغازلة الفتاة، أي فتاة مارة بأفظع الكلمات.

ويكشف العرض من خلال الرقص ولا شيء غيره الطريقة التي يُنظر بها إلى المرأة في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المصري خاصة، الذي تفشت فيه ظاهرة التحرّش الجنسي بالمرأة بشكل لافت، وسط مجتمع ذكوري يعيش العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي أخرت سن الزواج بسبب ارتفاع تكاليفه وحالة البطالة التي يعاني منها، حيث تقول آخر الإحصائيات إن 8 مليون شاب مصري جاوزوا سن الخامسة والثلاثين بلا زواج.

لتنتهي المسرحية بالرقص دائما وأبدا، في رمزية كونية تؤكّد أن المرأة ليست مصدر شهوة وإغواء، بل هي أصل الحياة وأساسها.

وغير بعيد عن النظرة الدونية للمجتمع المصري للمرأة العاملة أو حتى ربات البيوت في كفاحهنّ اليومي من أجل لقمة العيش لهنّ ولأولادهنّ، أتى العرض المسرحي اللبناني “عنبرة” مقوضا لهذه الدونية، منتصرا لإرادة المرأة اللبنانية الفاعلة في المجتمع الذي صادر حقها في إعلائه.

و”عنبرة” من كتابة وإخراج عليّة الخالدي ودراماتورجيا نورا السقاف، وتمثيل كل من نزهة حرب، سارة زين، فاديه التنير، هاني الهندي، دانا ضيا، عبدالرحيم العوجي، نجوى قندقجي، عمر الجباعي وزياد شكرون.

وتعرض المسرحية جوانب من سيرة الكاتبة والمترجمة والروائية والناشطة الاجتماعية عنبرة سلام الخالدي التي لعبت دورا هاما في النضال من أجل حرية المرأة مطلع القرن العشرين في لبنان، حيث كانت في السادسة عشرة من عمرها حين شاركت في تأسيس أولى الجمعيات النسائية في لبنان، ولدى بلوغها الثامنة عشرة تحدّت التقاليد السائدة في المجتمع آنذاك وقابلت “خطيبها” سرا.

كما أن عنبرة بوصفها ناشطة اجتماعية، اقتنعت ومنذ زمن مبكّر، أن للنساء دورا لا يقل أهمية عن دور الرجال في النضال القومي، لذلك كرّست نشاطها للترويج لحقوق المرأة ومن بينها حقها في التعلّم.

وتدور أحداث المسرحية في فضاء مغلق، هو منزل سليم سلام (أبوعلي) والد عنبرة الذي يحيل على بدايات القرن العشرين، حين كانت بيروت كغيرها من المناطق العربية تحت حكم الأتراك العثمانيين.

ومثلما كانت بيروت تنشد شكلا من أشكال الاستقلال، كانت عنبرة (قامت بأداء الدور نزهة حرب) ترنو إلى الانعتاق والحرية منذ سن السادسة عشرة من عمرها، ذلك أنها بدأت في إعلان تمردها على قيود العائلة والمجتمع بالتذمّر من ارتداء النقاب ورفضها الزواج التقليدي.

وانتهت عنبرة بعد مراكمة مسيرة من التجارب إلى الإقدام على خلع النقاب لأول مرة في محاضرة عامة في الجامعة الأميركية، وبهذا المشهد تنهي المخرجة علية الخالدي مسرحيتها “عنبرة”.

بدت المسرحية للوهلة الأولى وكأنها تقدّم سيرة ذاتية أو طرحا لقضية تحرّر المرأة في المجتمع اللبناني من خلال عنبرة سلام الخالدي، نموذجا، لكنها تجاوزت التوثيق التاريخي لسيرة امرأة آمنت بحرّيتها فحرّرت بدورها العقول من تكلّسها.

المسرحية تتحدّث عن الآن وهنا، عن الشبه الحاصل بين ما تحقق للمرأة العربية من مكاسب في زمن مضى، بفضل نضالها، وما تسعى اليوم للاحتفاظ به في ظل ما اصطلح على تسميته بـ”الربيع العربي”، وما طرحه من قوى جذب إلى الوراء وأعداء للحياة والحب، من ثمة أعداء المرأة التي باتت الآن أكثر ومن أي وقت مضى بحاجة إلى ثورة حقيقية تجتاح المنطقة العربية لتغيير العقليات ودحر شبح االرجعية والتخلف.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى