المدمن.. أيقونة «البيت»

عباس بيضون

وليام س. بوروز واحد من أعلام بيت الجيل الأدبي الأميركي الذي انفجر في الولايات المتحدة شعراً ورواية، الجيل الذي مثّل تحدياً صارخاً لليبوريتانية الأميركية والذي قدم على مستوى الحياة ومستوى النتاج الأدبي معاً تشكيلة متلاحمة. الأدب عارم صدامي على مستوى الأخلاقي جريء حتى الفجور، والحياة الشخصية للأدباء لا تنفصل البتة عن النتاج الأدبي. لقد جسدوا في حيواتهم ما كانوا كتبوه بل هم في الحقيقة كتبوا ما عاشوه، فإذا كان هناك من شيء يميز أدب البيت فهو هذا التلاحم بين الأدب والحياة الشخصية، وإذا كان هناك ما يميز أدب البيت فهو هذه المباشرة التي تحول الأدب إلى نوع من المذكرات، بل تحول الحياة الشخصية إلى نموذج يتحدى بالأدب، أو إلى نموذج أدبي لا يزال يملك خاصية الاعتراف وخاصية البوح. على الطريق لكبرواك مثلاً، الرواية الايقونة لجيل البيت وليست أبداً من إنتاج الخيال إنها أسفار كيرواك ومغامرته الشخصية عبر الولايات المتحدة كذلك. فإن رواية «المدمن» لبوروز التي ترجمتها رغم غنايم لدار الجمل تبدو من سطورها الأولى مذكرات يومية لمدمن لا تنفصل حياته عن الإدمان، بل يتحول الإدمان هنا إلى نموذج حياة.
نبدأ من الإدمان نفسه، يقول بوروز إن متعاطي الهيرويين لا يشك في أنه صار مدمنا إلا حين يدمن. إنه لا يعرف كيف يتدرج الأمر إلى الإدمان ولا يعرف كيف يفرق فيه. وليام س. بوروز يحافظ هنا على أحد أمرين يخصّان حياة جماعة البيت هو المخدرات، لكن الأمر الثاني ـ وهو المثلية ـ لا يغيب تماماً عن الكتاب، أن تلاميحه تبرز من حين لآخر بدون أن تسيطر على الرواية. حين نقرأ بوكوفسكي مثلاً نجد أنفسنا أمام آلة للجنس لكن المثلية مع ذلك ليست غائبة حتى حين يكون صاحبها ليس مثليا، إنها دائماً من هوامش وخلفيات كاتب البيت. لا يفاجئنا إذن أن يدفع بوروز لشاب مقابل أن يمارس الجنس معه ويذهب معه إلى فندق لا يجدان مكاناً فيه فيذهبان إلى فندق آخر. لا يتوقف بوروز طويلاً هنا فغرضه من الكتاب هو إدمان المخدرات، الهيرويين خاصة وهذا الإدمان له قصة طويلة بالطبع.
إن مسألة تحصيل الهيرويين ليست مسألة هينة؛ لا بد من «روشتة» ولا بد من طبيب للروشتة ولا بد من صيدلية لا تلبث أن تضيق بالروشتات إذا تكاثرت. ثم إن القارئ هنا يتردد بين أنواع عديدة: الهيرويين، والكوكايين والمورفين وليست هذه الأنواع أصناف حاضرة لدى الطلب أو هي حسب الاختيار. الكوكايين كما يقدر بوروز يحدث كآبة حين تتناوله بأكثر من جرعة وهو بحسب بوروز يمسك النفس عن الكلام ويفقد المرء حاسّته الاجتماعية فيغدو معتزلاً وحيداً، لكن جرعة من الهيرويين بعد الكوكايين تصلح الوضع فيتدفق المدمن بالكلام ويحدّث أياً كان مهما كانت صلته به، ثم هناك مشكلة أنه لا يعثر المدمن على المادة التي أدمنها. إن هناك بدائل قد تصح وقد لا تصح، ونتائجها تتفاوت، ثم هناك السلطنة التي تصيب المدمن وأكثر منها النوبة التي تصيبه إذا توقف أو لم يجد المادة ثم هناك العثور على البائع والوكيل وهذا كما يؤكد بوروز يحتاج إلى ما يشبه حاسّة الشم، فالمدمن يتعرف إلى المدمن من هيئته ومن حركاته والمدمن الذي يجوس أحياءً بحثا عن الهيرويين يعرف بالحدس إذا كان موجوداً في الحي أو لم يكن، ثم هناك أيضاً تحول المدمن الشاري إلى بائع وهذا ما يعرضه لمخاطر إضافية، ثم هناك هذه المخاطر التي قد لا يكون أهونها السجن فهناك الارسال إلى مصحّ للعلاج والعلاج مؤلم مضن وقد يصل العلاج إلى التوقف عن التعاطي، لكن بوروز لا يصدق أن في وسع المدمن أن يتوقف فهو قد يصل إلى درجة من التعافي وقد ينقطع أشهرا عن الهيرويين لكن بوروز يعتقد أن شفق الهيرويين لا يموت ولا تعرف متى يعاودك ومتى ترجع إليه.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى