الشعر لم يوجد لينقذ العالم

زكي الصدير

لا تتوقف منى الصفار عن قلقها حيال الشعر في مشروعها الأدبي الذي انطلق منذ عام 1998 من خلال مجموعتها الشعرية المشتركة مع الشاعرة البحرينية سوسن دهنيم، فهي منذ ذلك الوقت لا ترى في الشعر سوى هامش كان متناً في يوم ما. فبعد أربعة عشر عاماً من إصدارها الأول “عندما كنت صامتاً” تقدمت من جديد عبر دار مسعى بمجموعتها الشعرية الثانية “على قدمين عاريتين” ثم تلتها بمجموعتها “أحبك والمرآة بيننا” عام 2014. وما زالت حتى الآن تكتب الشعر للشعر والنص للنص دون التفكير في مشروع قادم.
ليسوا أنبياء

تقول منى الصفار “الشعر لم يوجد لينقذ هذا العالم لذلك الشعراء ليسوا أنبياء، ربما في وقت ما كان الشعر يستطيع بث الحماس وتحريك الساكن، ويستطيع إلقاء حجر يعيد تكرار الدوامات ويغير ركود البحيرة، ولكن في عالم لم يعد راكداً على الإطلاق، في عالم يبدو كل ما فيه صاخبا ودمويا أصبح الشعر هامشا، ولم يعد متنا.

لا يمكن أن أعمم بالتأكيد فربما هناك من يجد أن بإمكانه إعادة تدوير الحياة بالشعر، ولكني أجد أن الشعر اليوم يعيش في الداخل ويخرج من الداخل ويغرق في الذاتية لينقلها إلى الآخرين. حتى التعبير عن الخارج أصبح الشعر يخرجه من منظور داخلي كردة فعل على ما يحدث لا رغبة في تغييره.

كل ما نستطيع أن نقدمه من الشعر هو ذاتنا؛ رؤانا وحروبنا النفسية الصغيرة ومشاعرنا المخبأة جيداً، هذا هو كل التغيير الذي أجد أن بإمكان الشعر منحه للعالم”.

وعلاوة على تجربتها الشعرية اشتغلت الصفار في حقل الترجمة، وفي تجربتها الأولى للترجمة تجد أن ترجمتها رواية “صباح الخير منتصف الليل” لجين ريز الصادرة عن مسعى 2015، كانت من أصعب الاشتغالات التي قامت بها، فهي -بحسب تعبيرها- مثل القفز من علو شاهق.

تقول ضيفتنا “إن أول ما شدني إلى ترجمة الرواية هو العالم الفنتازي الداخلي للكاتبة، الاشتغال فيها على مستوى شخص واحد، تشبهني في ذاتيتها المفرطة، تنظر للعالم من زاوية واحدة، تتحدث عن المرأة التي تشبه امرأة عربية في القرن الحادي والعشرين مع الفارق طبعاً، العزف النفسي في الرواية، طريقة سرد الأحداث من وجهة نظر وحيدة الحديث النفسي، ردود أفعال البطلة تجاه العالم وتجاه ما تعرضت له من أحداث، كل ذلك كان تجربة سرقتني مني، لأتوحد في النص إلى الدرجة التي أعتقد أن الترجمة أخذت شاكلة نص منى الصفار”.

وتضيف في الشأن ذاته “كنت أود لو تمت مراجعة النص لغوياً بشكل أفضل خصوصاً وأن النص باللغة الإنكليزية يكتب على شاكلة أخرى تختلف عن العربية، وترجمتي كانت محاولة لنقل أمين للحدث والفكرة بالأساس. أيضاً أعتقد أنني استغرقت فترة زمنية طويلة نسبيا في ترجمة الفصل الأول، مما وضعني على المحك في الفصول التالية في محاولة للجري وتسليمها في الموعد المتفق عليه مع الناشر. لكنني أود حقاً أن أجد رواية أخرى، تلامسني بالقدر ذاته وتكون مشروعاً قادماً في الترجمة”.
الاشتغال على الفرد

يقودنا الحوار مع شاعرتنا إلى الحديث عن التفاصيل السردية في النص الشعري الذي تشتغل عليه من خلال نص “خيط يسقط من آخر عبارة”، وهو نص مكثّف قادر على الانطلاق السردي في فضاءات روائية تتخذ من الصور الشعرية إطاراً للغتها، الأمر الذي جعلنا نسأل الشاعرة عن مدى تفكيرها في كتابة “رواية”، خصوصاً أنها مشغولة بالترجمة الروائية.

تجيب ضيفتنا “لا يمكن أن أكتب رواية في يوم من الأيام، فحتى الرواية التي ألّفتها كترجمة كانت مغرقة في الشاعرية إلى درجة أنه لا يمكن أن يفهمها أهل السرد جيداً، السرد اشتغال مرهق يحتاج الكثير من الجهد والبحث والتنقيب، يحتاج أن يمنح الكاتب حياته للشخوص وصياغتها وترميمها وصنعها ونحتها جيداً، يحتاج أن يكون الكاتب على مستوى معين من الثقافة والقدرة على الغوص في دواخل الأشخاص الحقيقيين ليتمكن من خلق شخصيات غير مسطحة.

السرد الشعري مختلف كلياً عن كتابة رواية، عن خلق الحدث والمكان والصورة والشخص، الملكة التي لا أظن أنني أمتلكها، أنا مشغولة بالفرد والذات والرواية على مستوى الجماعة، الأمر الذي لا يمكنني فعلياً أن أقوم به لا يستميلني ولا يولد مني. أظن أنني سأبقى دائما ابنةً وفيةً للشعر، وأن اشتغالي الوحيد على مستوى السرد لن يكون إلا للنقل لا للخلق في حالة الترجمة”.

تذهب شاعرتنا إلى القول بأن النص الجديد هو نص الذاتية بامتياز، ولا ترى في ذلك ما يضيره من ابتعاده عن القضايا القومية والوطنية الكبيرة، واهتمامه بشكل مباشر بكل ما هو مشخصن ضمن تجربة الشاعر أو الشاعرة في حدودهما اليومية خصوصاً وأن الشعر-حسب قولها- يتناسب مع وتيرة العالم في الفترة التي يكتب فيها، تقول الصفار “نحن الآن أكثر اتصالاً بأنفسنا، لذلك من المنطقي أن يكون النص في هذه الفترة مشابها لنا، فرغم أننا نتواصل مع الآخر بطريقة أسهل، إلا أن هذه السهولة في التواصل جعلت الإنسان أكثر اتصالا بذاته. القضية الكبرى هي الإنسان ومن الإنسان تولد بقية القضايا، لذلك لا أجد أن شخصنة النص تسرق من النص بقدر ما تضيف إليه”.
وفي حديثنا معها حول التجارب الشعرية النسائية في الخليج، وكيف أن بعض الآراء تذهب إلى وصفها بالعاطفية المتشابهة التي لا تمتلك بصمتها الخاصة، تعلّق ضيفتنا “البصمة هي البصمة الإنسانية في الخلق، والشعراء في أي مكان وزمان في العالم هم انبثاقات عن بعضهم البعض، ليس هناك ما يخلق من عدم، هناك من يطور ما هو موجود فعلا ويبني عليه، لذلك فالأمور في الأغلب هي أمور متواترة أحدها يقود إلى الآخر، لا يمكن أن يقال بأنه لا يوجد شعر ببصمته، كل شعر له بصمته؛ الشعر النسوي أو سواه،

خصوصاً في ظل هذه المدرسة المغرقة في الذاتية التي لا تتوقف عن استخدام الكلمات غير المفهومة”.

وتضيف “نص اليومي والسائد، النص الذي يخرج من غرفة المعيشة، ومن خزانة الكتب، ومن دولاب الملابس، هو بصمة خاصة، شاملة وعمومية، العبرة ليست بالكتابة بطريقة سائدة في مكان آخر من العالم، بل بما يمكن أن تضيفه شخصياً كشاعر لهذا النص الذي يكتب بهذه الطريقة، الشعراء أيضا لم يستحدثوا جديداً لذلك أجد من الظلم أن يقال “الشعر النسوي في الخليج”، فالشعر الذكوري في الخليج أيضاً هو ابن مشاهد ثقافية أخرى في العالم، النص أصبح حصيلة ثقافة الإلمام بالمختلف، خلق النص أصبح يشبه النص المترجم عن لغات العالم، البصمة هي في ما يقال داخل النص، في أن تقرأ النص دون أسماء وأن تشير دون تردد إلى أن هذا النص يعود إلى هذا الشاعر. وكما أن هنالك شاعرات لم يستحققن المتابعة كذلك هنالك شعراء لا يستحقون ذلك. في النهاية تذوق الشعر والإحساس به مسألة نسبية وشخصية جداً، الناقد لا يمتلك منها سوى الصناديق المغلقة في فضاء رحب ومتسع”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى