الساعات جيروم ك. جيروم… ترجمة: آماليا داود

خاص (الجسرة)
هناك نوعان من الساعات: هناك ساعة خاطئة دائماً وتعلم أنها خاطئة وتعتز بها، وهناك الساعة الصحيحة دائماً إلا عندما تعتمد عليها، عندها تصبح أكثر ساعة خاطئة من أي ساعة تعرفها في العالم المتحضر.
وأنا أتذكر مثل هذه الساعة من النوع الثاني كنا نملكها عندما كنت صبياً، توقظنا الساعة الثالثة صباحاً في الشتاء، حيث ننهي الإفطار الثالثة وخمسين دقيقة، بعدها أخرج إلى المدرسة بعد الخامسة بقليل، وأجلس على الدرج باكياً لأني اعتقدت أن العالم وصل إلى نهايته كل شيء كان يشبه الموت .
والرجل الذي يستطيع أن يعيش في منزل واحد مع مثل تلك الساعات دون أن يعرض فرصته بدخول الجنة للخطر ويقف مرة في الشهر ليخبرها ما يعتقد بها حقاً، إما أن يكون منافساً خطيراً لتلك الشركة القديمة أو لأنه لا يعرف ما يكفي من الكلمات البذيئة لجعل البدء بالكلام جديراً بالجهد.
الحلم العظيم لحياة تلك الساعات هو خداعك لتحاول اللحاق بموعد القطار مستعيناً بوقتها، لأسابيع وأسابيع سوف تحافظ على وقتها مثاليارا، وإذا كان هناك أي فرق بين وقت تلك الساعات وبين الشمس، سوف تكون مقتنعاً أن الشمس هي الخطأ وليست الساعة، تشعر إذا ما كانت الساعة سريعة بنسبة ربع ثانية أو بطيئة بنسبة ثُمن اللحظة، سوف يكسر هذا قلبها وتموت.
من هذا المنطلق من الإيمان الطفولي بنزاهتها، سوف تجمع عائلتك حولك في الممر وتُقبل أولادك، وتعدهم أن لا تنسى طلب الفحم، وأخيراً تلوح لهم وداعاً حاملاً مظلة، وتنطلق إلى محطة السكك الحديدة .
لم أكن قادراً على اتخاذ القرار أبدا: أيهما أكثر إزعاجاً الركض بسرعتك القصوى ميلين كاملين، وبعدها تكتشف عندما تصل إلى المحطة انك أتيت مبكراً بنحو ثلاثة أرباع الساعة، أو أن تتمشى على مهل الطريق كله، وتتأخر عن حجز التذكرة لأنك كنت تتحدث إلى أحد الحمقى من السكان المحليين، وتختال بلا مبالاة على الرصيف، في الوقت المناسب تماماً لرؤية القطار ينطلق.
أما بالنسبة إلى النوع الآخر من الساعات، النوع الأكثر شيوعاً وهو الخاطئ دائماً فهي غير ضارة بما فيه الكفاية، أنت تضبطهم بالفترات المناسبة، ومرة أو مرتين في الأسبوع تصحح وقتهم و”تضبطهم”. وتفعل هذا ليس بدافع الأنانية، لكن بدافع الشعور بالواجب تجاه الساعة نفسها، أنت تريد أن تحس أنه مهما حصل انك فعلت الأمر الصحيح تجاهها، ولا يمكن لأحد أن يلقي اللوم عليك .
وعندما تنظر إليها للاستفادة تشعر بالقلق، ولم تحلم بفعل ذلك وبالتالي لن يخيب املك، وتسأل ما الوقت فتجيب الفتاة :
-“حسناً الساعة في غرفة الطعام تشير إلى الثانية وخمسة عشرة دقيقة “.
لكنك لا تنخدع بوقتها، وتعلم أن الوقت الحقيقي ما بين الساعة التاسعة والعاشرة مساءاً، وتتذكر انك لاحظت الوضع الغريب حيث كانت الساعة الرابعة وأربعون دقيقة منذ ساعاتٍ مضت، وتعجب بشدة بنشاطها وطاقتها وتتساءل كيف تفعل ذلك .
أنا شخصياً أمتلك ساعة غير تقليدية ومعقدة ومستقلة، استطيع أن أعطي نقاطاً لأي شي اكتشف على خط التوقيت، وكمجرد ساعة فإنها تجعلك تترقب، وأيضاً إنها لغز مليئة بالتشويق والمتعة.
كنت قد سمعت برجل يمتلك ساعة يقول أنها لن تفيد أحد غيره لأنه الوحيد الذي يفهمها، ووصفها بالممتازة وتستطيع الاعتماد عليها، لكن عليك أن تعرفها وأن تدرس نظامها فهي يمكن أن تخدع الشخص الغريب بسهولة.
قائلاً:”على سبيل المثال : عندما تدق الساعة 15، العقارب تشير إلى 11:20 أعلم أن الساعة الثامنة إلا ربع “.
علاقته مع تلك الساعة بالتأكيد أعطته ميزة على المراقب السطحي.
لكن السحر العظيم لساعتي يكمن في الشك الموثوق به، وهي لا تعمل بأيه أسلوب مهما كان فهي عاطفية خالصة، يوماً تجدها عابثة وتزيد ثلاثة ساعات أثناء الصباح ولا تعتقد شيئاً تجاهها، وفي اليوم التالي سوف تتمنى لو أنها تحطمت، وتكون بالكاد قادرة على مواكبه الوقت، وتخسر ساعتين من أصل أربعة، وتتوقف في المساء، تعيسة ولا تستطيع فعل شيء، وبعدها تصبح نشيطة مرة أخرى في المساء ثم تعود إلى عهدها.
لا يهمني كثيراً أن أتحدث عن هذه الساعة لأني حين أقول الحقيقة البسيطة المتعلقة بها الناس يعتقدون أني أبالغ .
من غير المشجع أن تجد أن لا يصدقك الناس وأنت تبذل قصارى جهدك لتقول الحقيقة، ويتوهمون انك تبالغ مما يجعلك تميل إلى المبالغة عن قصد فقط لتبين لهم الفرق، وأنا اعلم أني اشعر بالإغراء لأفعل هذا لكن تدريبي المبكر من ينقذني.
يجب أن نكون دائماً حذرين ألا نفسح المجال للمبالغة : أنها عادة تنمو فوق الإنسان .
وهي عادة مبتذلة أيضاً، في العصور القديمة الشعراء وباعة السلع الجافة الوحيدين الذين يبالغون، كان هناك شيء ذكي وممتاز عن السمعة للميل إلى المبالغة، بدلاً من التقليل من شأن الحقائق المجردة البسيطة، لكن الجميع يبالغ هذه الأيام، ففن المبالغة لا يعتبر “زائد” في قوانين التعليم الحديث، بل هو شرط أساسي لمواجهة معركة الحياة .
العالم بأكمله يبالغ .. يبالغ بكل شيء، من عدد السنوي للدراجات التي بيعت، إلى عدد المشركين الذين تمت هدايتهم إلى رجاء الخلاص والويسكي، المبالغة هي أساس تجارتنا، الأرض البائرة لدينا في الأدب والفن، وأساس حياتنا الاجتماعية، والمؤسس لوجودنا السياسي، عندما كنا أطفالا في المدرسة كنا نبالغ في وصف العراك والعلامات وديون أبائنا، وكرجال نبالغ بوصف إمكانياتنا ونبالغ بمشاعرنا ونبالغ بوصف دخلنا نخبر حقيقته لجابي الضرائب فقط، ونبالغ في وصف “نفقاتنا الحياتية”، ونبالغ في وصف فضائلنا ونبالغ في وصف نقائصنا، في الحقيقة نحن رجال معتدلين ونتظاهر أننا مجازفين متهورين.
لقد انحدرنا كثيرة لدرجة أننا نحاول أن نمثل مبالغاتنا، ونرتقي إلى مستوى أكاذيبنا، ونسميه “الحفاظ على المظاهر”، ولا توجد أكثر من هذه العبارة اللاذعة التي تم اختراعها لوصف حماقاتنا الصبيانية .
إذا كان دخلنا مئات الجنيهات سنوياً، لماذا لا نضربها باثنين؟ قد يكون بيت التخزين منخفض والمدفئة باردة، لكن نحن سعداء إذا كان “العالم” (ستة معارف وجار متطفل) يسلفونا مائة وخمسين، وعندما يكون معنا خمسة نتكلم عن ألف ،وكل ما يهم في هذا “العالم” (ستة عشرة صديق واثنان منهما وسيلة نقل) ومقتنعين انه ربما ننفق سبعمائة، أو في جميع الأحداث، الوقوع في الديون للوصول إلى هذا الرقم، لكن الجزار والخباز الذين ناقشوا هذه المسألة مع الخادمة يعرفون الحقيقة.
بعد فترة وقد تعلمنا الخدعة وننطلق بجراءة ونصرف مثل أمراء الهنود، أو بالأحرى يبدو أننا ننفق مثلهم، لأننا نعلم الآن كيف نشتري المظاهر بالمظاهر أو اللازم مع الضروري، وكيف نشتري مظهر الثروة مع مظهر السيولة، والشيطان يبارك هذا لأنه ابنه ومتأكد بأنه: لا يوجد خطأ في التشبيه، ولديه كل الطرق المضحكة مجتمعة ويصفق ويضحك للكذبة، ويشارك في الغش والشماتة التي نعلم أنها عاجلاً أو أجلاً سوف تسقط علينا كمطرقة الحقيقة.
وسارت الأمور بمرح كما مزحات الساحرات، حتى فجر الصباح الرمادي.
الحقائق والوقائع أصبحت موضة قديمة غير صالحة، يا أصدقائي تصلح الحقيقة فقط للعيش الممل والمبتذل، المظاهر لا الحقائق، هذا ما يدركه الكلب الذكي من الأيام الذكية، نحن نرفض الأرض البنية الصلبة لنبني حياتنا ومنازلنا فوق قوس قزح .
بالنسبة لنا النوم والمشي هناك خلف قوس قزح، حيث لا جمال في المنزل بل ضباب كئيب في كل غرفة، وزيادة على كل هذا خوف يطاردنا من الساعة التي سوف تذوب فيها الغيوم المطلية بالذهب، والوقوع على العالم الصعب تحتها.
لكن هل هناك ما يهم في بؤسنا أو إرهابنا؟ للغرباء بيتنا يبدو جيداً ومشرقاً، والعاملون في الحقل يحسدوننا على البيت الشامخ والمبهج، فإذا كانوا يعتقدون انه جذاب علينا أن نرضى به، ألم يعلمونا أن نعيش للآخرين وليس من أجل أنفسنا، ونحن نتصرف بشجاعة للعيش وفق هذا المبدأ ولهذه الطريقة المثيرة للدهشة؟
أوه! أجل، نحن نضحي بأنفسنا بما فيه الكفاية، وأوفياء بما فيه الكفاية في ولاؤنا المطلق لهذا الملك المتوج حديثاً، ابن الأمير المخادع والأميرة المدعية، لم يحدث من قبل عبادة طاغية على هذا النحو الأعمى، لم يكن لشيء غيره هذه السيادة الأرضية وفوق ذلك مثل ذلك التأثير العالمي.
الإنسان إذا عاش يجب أن يعبد، ينظر حوله والذي يبدو له ضمن الرؤية لحياته على انه الأفضل والأعظم يتهاوى إمامه ويقدسه، وللذي فتح عيونه على القرن التاسع عشر ما الصورة الأنبل التي سينتجها له العالم سوى شخصية الباطل في ثياب مسروقة؟ انه ماكر ووقح وفارغ القلب، ويدرك من هو مثاله الأعلى وينزل ويقبل أرجله، ويجثو على ركبته النحيلة ويقسم بالولاء له للأبد.
آه! إنه الملك العظيم، الملك الدجال المنتفخ، هيا دعونا نبني له معابد من الظلال المنحوتة والتي ونحن فيها نعشقه آمنين من الضوء، فلنرفعه عالياً بأقنعتنا المبهرجة فليحيا الجبان الرئيس المخادع الزعيم الذي يليق بالجنود أمثالنا، فليحيا سيد الأكاذيب فليعش مطولاً مظهر الملك الذي تسجد له الإنسانية.
لكن علينا أن نحمله عالياً بحذر شديد، آه يا إخوتي المحاربين أنه يحتاج إلى الكثير من”المداراة “، فلا يوجد لديه عظام ولا عصب الزميل المهلهل القديم المسكين، إذا رفعنا يدنا عنه فسوف يقع ككومة من الخرق البالية والريح الغاضبة سوف تأخذه بعيداً وتتركنا محرومين، لذلك دعونا نمضي حياتنا في حمايته وخدمته وجعله عظيماً، وهذا هو إلى الأبد ينفخ بالهواء والعدم حتى ينفجر وننفجر معه.
لابد أن ينفجر يوماً ما كما هي طبيعة الفقاعات الانفجار، خاصة عندما تكبر كثيراً، وفي هذه الأثناء لا يزال يسود فوق رؤوسنا، والعالم يتحول أكثر فأكثر إلى عالم من المبالغة والتظاهر والكذب، والذي ينجح في المبالغة والكذب هو أعظمنا جميعاً.
العالم معرض للبهرجة ،ونحن نقف خارج مقطوراتنا ونشير إلى الصورة رائعة الألوان، ونضرب الطبل الكبير ونتباهى نتباهى نتباهى، الحياة لعبة كبيرة من التباهي.
“أيها الناس اشتروا الصابون الذي أصنعه، ولن تظهروا كباراً بالسن، والشعر سوف ينمو مجدداً على المناطق الصلعاء، ولن تكون تعيساً وفقيراً بعد الآن: وصابوني هو الوحيد الأصلي، كن حذراً من الصابون المقلد الزائف”.
اشتروا المحلول الذي اصنعه، أنتم الذين تعانون من وجع في الرأس أو المعدة أو القدمين، أو الذين لديهم يد مكسورة أو قلوب مكسورة أو حموات مزعجات واشربوا زجاجة واحدة في اليوم وكل مشاكلكم سوف تنتهي”.
“تعالوا إلى كنيستي، أنتم الذين تريدون الجنة، واشتروا بفلس واحد دليلي الأسبوعي وصلوا، لكن اعلموا أنه ليس لي علاقة بأخي الذي يضللكم على الطريق، طريقي هي الآمنة الوحيدة”.
“صوتوا لي:أيها الناخبين الأذكياء والنبلاء وأعطوا حزبنا القوة، وسوف يصبح العالم مكاناً جديداً ولن يكون هناك خطيئة أو حزن بعد الآن، وكل ناخب حر ومستقل سوف نصنع له يوتوبيا جديدة خصيصاً له، وفقاً لما يريده وبحجم مناسب، مرفق بمعقم إضافي يمكن إرساله لكل شخص لا يعجبه،هيا! لا تفوتوا هذه الفرصة!.
هيا!استمعوا إلى فلسفتي إنها الأفضل والأعمق، هيا! استمعوا إلى أغنياتي إنها الأعذب، هيا! اشتروا لوحاتي وحدها الفن الحقيقي، هيا! اقرؤوا كتبي إنها الأفضل.
أنا أعظم تاجر أجبان/ أنا أعظم جندي/ أنا أعظم رجل دولة/ أنا أعظم شاعر/ أنا أعظم رجل استعراض/ أنا أعظم دجال/ أنا أعظم محرر / أنا أعظم وطني/ نحن أعظم أمة/ نحن الشعب الوحيد العظيم/ ديننا هو الدين الحقيقي الوحيد/ أوف! كيف نصيح جميعاً!
كيف نتباهى ونردد ونضرب الطبول ونصرخ، بينما لا أحد يصدق كلمة مما نتفوهها، والناس تسأل بعضها قائلة:
“كيف يمكن أن نعرف كم هو الأعظم والأذكى من بين هؤلاء الثرثارين؟
ويجيبون :
“ما من أحد عظيم أو ذكي، الرجال العظماء والأذكياء ليسوا هنا، ليس لهم مكان في هذه الفوضى من المشعوذين والدجالين “.
الرجال الذين تراهم هنا هم ديوك صياحه، ونفترض أن أفضلهم وأعظمهم من ينعق طويلاً وعالياً، هذا هو الاختبار الوحيد لميزاتهم.
لذلك ما الذي بقي لنا لنفعله سِوَى أن ننعق؟ وأعظمنا وأفضلنا من ينعق عالياً ومطولاً على هذه المزبلة الصغيرة التي نسميها عالمنا!
حسناً ،كنت سأخبركم عن ساعتنا .
من اللحظة الاولى كانت فكرة زوجتي، عندما كنا نناول العشاء في باغلز، وكان المطعم قد اشترى للتو ساعة، وقال:”اخترناها من منطقة اسيكس”، وكانت هذه طريقته في وصف العملية التجارية، باغلز دائماً يتجه نحو “اختيار الأشياء” وسيقف أمام سرير مزخرف قديم، يزن ثلاثة أطنان، وسيقول: نعم، هذا الشيء الصغير الجميل، اخترته من هولندا!” يقول ذلك كما لو انه وجده على قارعة الطريق، ودسه داخل مظلته عندما لم يراقبه أحد.
مطعم باغلز كان يعج بتلك الساعات ساعات “الجدات”، طولها ثمانية أقدام في صندوق من خشب البلوط ولديها دقات مهيبة عميقة وطنانة، مرافقة ممتعة لمحادثات بعد العشاء، والظاهر أنها ملأت الغرفة بهواء الكرامة العائلية.
لقد ناقشنا أمر الساعة وتحدث باغلز كم يحب صوت دقاتها البطيئة والعميقة، وكيف ينام كل من في المنزل، ويسهر هو والساعة معاً لوحدهما كأنها صديق قديم وحكيم يتحدث معه، ويحدثه عن الأيام الخوالي وطريقة التفكير القديمة والحياة القديمة وكبار السن.
أعجبت زوجتي بالساعة كثيراً وظلت تفكر في طريق العودة إلى المنزل، وعندما صعدنا إلى الشقة، قالت:”لماذا لا يمكننا أن نملك ساعة كتلك؟ قالت هذا وكأنها تتحدث عن شخص سوف يعتني بنا جميعاً، كان يجب أن تتخيل أنها تعتني بطفل.
أعرف رجلا في نورثامبتون شاير حيث اشتري من عنده الأثاث القديم بين الحين والآخر، وبعثت له استفسر وأجابني أن لديه ما طلبته بالتحديد( لديه كل ما اطلبه، أنا محظوظ من هذه الناحية). وكانت اغرب وأقدم ساعة عثر عليها منذ مدة طويلة، وقد بعث لي الصور والتفاصيل كاملة وسألني أن يرسلها؟
ومن الصور والتفاصيل أخبرته :”نعم، ابعثها فوراً”.
وبعد ذلك بثلاثة أيام، طرق احدهم باب المنزل وبالطبع دق الباب مرات عدة من قبل، لكني أتعامل مع تاريخ الساعة، الفتاة قالت هناك عدة رجال في الخارج يريدون رؤيتي، وذهبت إليهم.
وقد وجدت أنهم كانوا ناقلات بيكفورد، وبالنظر إلى بيانات الشحنة عرفت أنها ساعتي وقلت:”أوه اجل، هذه صحيح تماماً ادخلوها للأعلى”.
اعتذروا لأنهم لن يستطيعوا أن يرفعوها للأعلى.
وقد نزلت معهم وكانت مثبتة بشكل آمن للهبوط الثاني من الدرج، ووجدت الصندوق الذي كان يجب أن أحزر انه الصندوق الأصلي الذي نقل به تمثال إبرة كليوباترا.
وقالوا أنها ساعتي.
جلبت معي رافعة وعتلة، وأرسلت في طلب اثنين من المجرمين ليساعدوننا، وقمنا الخمسة بإخراج الساعة بعد نصف ساعة من المحاولات، وبعد الكثير من المحاولات أسفل وأعلى الدرج ارتاح الساكنين الآخرين من أصواتنا.
وبعدها أوصلنا الساعة إلى الطابق العلوي وجمعت أجزائها معاً،وثبتها في زاوية غرفة الطعام.
في البداية أظهرت الساعة رغبة قوية في السقوط على الناس، لكن عن طريق استخدام البراغي والمسامير وقطع من الخشب أصبحت الحياة معها في نفس الغرفة ممكنة، وحينها أحسست بالإرهاق ضمدت جراحي وذهبت إلى السرير.
في منتصف الليل أيقظتني زوجتي في حالة كبيرة من القلق، لتقول لي أن الساعة علقت على الساعة 13 وسألتني عمن اعتقد انه سيموت؟
قلت أني لا اعرف، لكني تأملت أن يكون كلب الجيران.
وقالت زوجتي أن لديها إحساس داخلي أن ذلك مرتبط بالطفل، ولم يكن شيء يعزيها وبكت حتى نامت مجدداً.
وخلال الصباح نجحت في إقناعها أنها ارتكبت خطأ فقبلت أن تبتسم مجدداً، وفي فترة بعد الظهر علقت الساعة على الساعة 13 مرة أخرى.
وهذا جدد كل مخاوفها واعتقدت أني والطفل محكومون بالموت، وستصبح أرملة ثكلى، وحاولت أن أعامل الأمر على أنه نكته، وهذا جعلها تعيسة أكثر وقالت لي أنها ترى أني أشعر بما تشعر به، واني أتظاهر بأني مستهتر من أجلها وقالت أنها ستحاول وتتحمل بشجاعة.
والشخص الذي لامته كان باغلز.
في الليل أعطتنا الساعة انذرا آخر وكان لعمتها ماريا وتقبلت للأمر، لكنها تمنت لو أني لم اشتري الساعة، وتسألت متى سأشفى من جنوني لملئ البيت بالحماقات.
وفي اليوم التالي علقت الساعة 13 أربع مرات، وهذه أسعدها وقالت لو متنا جميعاً مع بعضنا البعض لن يهمها الأمر، وعلى الأغلب هناك حمى أو طاعون قادم وسوف يأخذنا جميعاً.
وكانت مستهترة بسبب ذلك.
وبعد ذلك قامت الساعة بقتل كل الأصدقاء والأقرباء، و بدأت بالجيران.
وقد علقت الساعة على الساعة 13 لشهور، حتى مرضنا من المذبحة ولم يبقى هناك على بعد أميال أي إنسان على قيد الحياة.
وتحولت بعد ذلك لصفحة جديدة وتوقفت عن قتل الناس، وتوقفت عند الساعة 9:30 و 1:40 دقيقة، ورقمها المفضل الآن 2:30 ولكن مرة في اليوم تضرب الساعة التاسعة والتاسعة والأربعين دقيقة، لا أعلم لما.
وهي لا تعلق على فترات منتظمة بل حسب رغبتها، أحياناً تعلق ثلاث أو أربعة مرات في نفس الساعة، وفي مرات أخرى يمضي نصف نهار كامل دون أن تعلق أبدا.
هو زميل قديم غريب!
فكرت أحيانا في استدعائه بمواعيد منتظمة ويبدو أني تربيت على حبه وسخريته من الوقت.
على ما يبدو هو لا يحترم الوقت، ويبدو انه يبتكر طرقاً لإهانته، فهو يقول عن الساعة الثانية والنصف الثامنة والنصف، وعن العشرين دقيقة يقول ساعة.
وقد كبر ليزدري سيده ويرغب في إظهار ذلك، يقال لا يوجد بطل لخادم، ويبدو أن الوقت المتجهم نفسه قصير الأجل وفانٍ وأكبر قليلاً من الآخرين، هذه مواصفاته بالنسبة للعيون القاتمة التي تخدمه منذ زمن؟ لقد كان يدق ويدق كل تلك السنوات لنكتشف ضآلته التي تبدو ضخمة بحيث تصيب عيون الإنسان بالرعب؟
ويقول ضاحكاً ويدق الساعة الخامسة والنصف والرابعة:”أنا أعرفك أيها الوقت المقدس والمرعب، سراب وحلم كبقيتنا؟ نعم سوف تزول ولن يكون هناك المزيد، فلا تخشاه أيها الإنسان الفاني، فما الوقت إلا ظلُ هذا العالم على خلفية الأبدية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى