الفيلم الروسي “ليالي ساعي البريد البيضاء” في شومان

خاص(الجسرة)

بريهان الترك
تدور أحداث الفيلم الروسي “ليالي ساعي البريد البيضاء” – إنتاج 2014-للمخرج أندريه كونتشالوفسكي في قرية روسية نائية يعيش سكانها بعيداً عما يحدث في روسيا والعالم، ليشكل ساعي البريد-الشخصية الرئيسية في الفيلم-وسيلة تواصلهم مع العالم الخارجي، فيتنقل بقاربه ليجلب لهم من أقرب مدينة ليس فقط الرسائل وإنما أيضاً الأطعمة وأي أغراض يطلبونها. الفيلم يشكل حلقة من سلسلة أفلام كونتشالوفسكي عن القرى الروسية النائية المهملة والمنسية، وهذه المرة صّوب المخرج عدسته على ضفاف بحيرة في شمال موسكو، متفحصاً الحياة اليومية لساعي البريد التي تنعكس من خلالها حياة القرية بأكملها، ويمكن إعتبار الفيلم دراسة شبه حقيقية للحياة القروية الروسية المعاصرة.
تجري أحداث “ليالي ساعي البريد البيضاء” في الوقت المعاصر؛ في روسيا ما بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي والإشتراكية، وربما المشهد الأخير يحمل في طياته مفارقة عميقة وساخرة، إذ في الوقت الذي تطلق فيه الدولة الأقمار الصناعية إلى الفضاء -إشارة إلى تطورها وقدرتها المالية-نرى في الأسفل على قارعة الطريق مجتمعات/ طبقات/ مواطنين فقراء مهملين يعيشون خارج الزمن، وكأن التطور والرفاه لم يعرف طريقه إليهم قط، وكأن الدولة غافلة عنهم.
على الرغم من الجذور الارستقراطية التي ينحدر منها أندريه كونتشالوفسكي، إلا أنه ترعرع وأخيه الأصغر -المخرج نيكيتا ميخالكوف كونتشالوفسكي-في بيئة إبداعية ويسارية منحازة للفقراء والمهمشين، فوالدهما الشاعر اليساري سيرجي ميخالكوف الذي كتب النشيد الوطني السوفييتي والروسي، ووالدتهما الشاعرة نتاليا بتروفنا كونتشالوفسكي، لذلك نلمس في عدد من أفلام أندريه كونتشالوفسكي إنحيازاً واضحاً للفقراء؛ كما في فيلمه “ليالي ساعي البريد البيضاء” الذي يبعث حنيناً إلى العهد الاشتراكي.
” أبتعدُ عن الأسواق والرأسمالية، لأني لا أعرف كيفية التصرف معهم” هكذا يقول كونتشالوفسكي، وهكذا حاول أن يتمرد على شروط شركات الإنتاج السينمائي الضخمة بإنتاج أفلامه بنفسه، فأفلامه بذلك تندرج تحت عنوان “السينما المستقلة”، وأيضاً “سينما المؤلف” إذ كتب كونتشالوفسكي أغلب أفلامه بنفسه. في فيلمه “ليالي ساعي البريد البيضاء” يُقَرِب كونتشالوفسكي الشكل الروائي من الوثائقي، حيث رَصَدَ الحياة اليومية في القرية، وصَوّر في الأماكن الحقيقية -القرى والطبيعة والنهر- ووظّفَ الكثير من اللقطات الطويلة / المديدة التي تعكس وحدة وعزلة الإنسان القروي في المكان، كما تمنح تلك اللقطات للمشاهد إيقاعا بطيئاً يشبه الحياة الرتيبة التي يعيشها هؤلاء السكان، أما الممثلين المشاركين في الفيلم فجميعهم غير محترفين – أخذت عملية إختيارهم سنة تقريباً- واشتغل المخرج معهم على ارتجال حواراتهم، وهم من سكان المنطقة المحليين، كل هذا منح الفيلم عفوية وواقعية.
شارك فيلم ” ليالي ساعي البريد البيضاء ” في العديد من المهرجانات وحاز على أربع جوائز منها: الأسد الفضي من مهرجان البندقية السينمائي الدولي، والنسر الذهبي من الأكاديمية الوطنية لعلوم وفنون السينما في روسيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى