فيلم «قبل السقوط» للأمريكية ري روسو يونغ: سر وجودك كحياة للآخرين

عبدالله الساورة

«كل واحد خلق لقدر كبير.. فقط وجب علينا أن نفهم ما هو قدرنا» (الأم تريزا) ذاك هو القدر وتلك أقدارنا وهذا يومنا الموعود.. لا هروب منه سوى بمواجهته، فما يخبئه لك القدر عاجلا أو أجلا سيصل إلى دروب حياتك. هذا ما تطرحه المخرجة الأمريكية الشابة ري روسو يونغ في فيلمها الرابع «قبل أن أسقط « (99 دقيقة/ 2017/الولايات المتحدة الأمريكية). في هذا الفيلم نشاهد قصة واحدة في خمس متواليات حكائية، ليس هناك جزء يشبه الجزء الذي سبقه. فقط اختلاف طرق الحكي وصياغة القصة، وفق متوالية جمالية تستند إلى التفاصيل الدقيقة، وإلى انسياب الحكاية، دون أن يشعر المشاهد بتكرار المشاهد. هناك لغة سينمائية جميلة تبحث في معاني الحياة والموت.

الحكاية

تنطلق حكاية الفيلم من فرضية استيقاظ شابة اسمها سام 25 عاما، (أدت دورها الممثلة زوي دوتش)، طالبة جامعية من حلم مزعج مفاده مقتلها في حادث سيارة رفقة ثلاث من صديقاتها. في التوقيت الصباحي ذاته تنطلق الحكاية عبر متواليات سردية، لتبدو الأسئلة الفلسفية، حيث تبحث (سام) عن حل لغز حادثة السير قبل السقوط. تتساءل سام من هو الشخص الجيد؟ وتقول لوالدتها بعد رحلة عمر طويلة ما رأيك في شخصيتي؟ تجيب الأم ببساطة: أنت جيدة، والشخص الجيد هو من يقوم بالأعمال الجيدة. هذه الإشارة البسيطة من طرف الأم في منتصف الفيلم تلهم الشابة في فك لغز حادثة السير، بعدما جربت الكثير من الخطط لتفادي هذا القدر المحتوم. تبدأ في البحث عما هو جيد في حياتها.. تكتشف بسرعة علاقتها الزائفة بخطيبها وتقرر تركه ومصاحبة طالب جامعي آخر، يمنحها أجمل قبلة في حياتها كما تقول. تكتشف وهذا هو المهم كيف تسامح الآخرين على أفعالهم وأقوالهم وكيف تبحث وتتقصى الحقائق. تنطلق بطلة الفيلم في حل لغز الحادثة قبل أن تقع بقلق وجودي، متوترة وبعيون متوقدة وبنوع من التجريب، يطرح الفيلم نوع الحياة الاجتماعية للطالب الأمريكي، وسط صخب الحياة الجامعية بثورتها الشبابية.

الروح الفانتازي

المخرجة ري روسو يونغ تمزج الفانتازيا بالواقع، ويعمد الفيلم في كثير من المشاهد لاعتماد هذا الأسلوب ليمنح الفيلم روحا متجددة، روح يسائل القدر ومشيئته لماذا يختار هذا التوقيت وهؤلاء الأحبّة؟ علاقات متعددة ومتشابكة لها علاقة بحادثة السير … ثلاث طالبات شابات يركبن معها السيارة، وطالبة صهباء اسمها ليزا تبدو متوترة منعزلة على نفسها، ولها قدرة كبيرة على الرسم بسوداوية وتعيش حالة من العزلة والقلق والرغبة في الانتحار. علاقات متعددة للبطلة سام مع أختها الصغرى، التي توقظها من حلمها المزعج والكابوس المسيطر عليها، علاقتها بأمها وأبيها، ومن تخبره بهذا الحلم المزعج؟ ومن يصدقها؟ ولماذا تعمد في كل متوالية فيلمية إلى تغيير سلوكها؟ تكتشف سام الجميل في حياتها.. أن تحب أختها الصغرى وتخرج في نزهة معها أمام البحر، وفي عناق والدتها وأبيها، وفي الجهر بالقول لصديقاتها أحبكم.. هذه هي ميزاتكم وهذه خصائصكم ولهذا أحبكم. في كل متوالية نكتشف جزءا من شخصيات الفيلم، ومن لحظات الصدق مع صديقاتها ومن الحقيقة المرعبة أن حادثة السير بعد منتصف الليل باتت أمرا محتوما. نهايات مختلفة للفيلم يختلط فيها الواقع بالخيال، ولا يستطيع المشاهد أن يؤكد موت البطلة، هل هو حقيقة أم تجريب من حلم مزعج؟

الموت كطريق للحياة

لماذا عمدت المخرجة إلى تجريب هذه المتواليات وأبقت على فرضية الموت؟
في عنوان الفيلم نجد الإجابة «قبل أن أسقط» والسقوط هنا هو ما تخلفه حادثة السير من موت محقق لسام.
الغرض من الإبقاء على نهاية الموت وفتح هذه المتواليات الفيلمية بطرق مختلفة، هو اكتشاف لذة الحياة التي تحيط بنا، كم نكون «أغبياء وسذجا» عوض أن نحيا الحياة بكل أفراحها نلوذ إلى الجوانب المظلمة والحزينة. المخرجة تعتقد بإيمان مطلق أننا لا يمكن أن نغير الأقدار والمكتوب. في الحياة لحظات الفرح والحب التي لا تنتهي إذا ما اكتشــفناها وتأملنا ما يحيط بنا وقمنا بالأفعال والأعمال الجيدة.

سر الوجود

كذلك يبدو الأمر من خلال العلاقات الزمنية والمكانية .. فيرمز الليل إلى الظلمة والموت، والنهار والشمس المشرقة والطقس المتقلب وزخات المطر والبحر هي أوقات وأمكنة للفرح وللحياة. كذلك تعكس المخرجة الرؤية نفسها على أماكنها .. منزل العائلة، الجامعة، أماكن للحياة في حين أن السيارة والطريق هي موائد للموت. مع مصاحبتها بموسيقى تنسجم مع الوضعيات النفسية للأبطال الفيلم. فقدر الشابة سام في النهاية هو التضحية بنفسها وإنقاذ الأخريات من موت محقق .. هنا تكمن سعادتها وإخلاصها لمفهوم الصداقة والحب .. للحياة.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى