اليمني أحمد الصياد راوياً «حصار السبعين»

شوقي عبد الأمير

يكتب أحمد الصياد منذ زمن روايات ودراسات في الفكر السياسي والتجربة اليمنية وقد أصدر الكثير من النصوص الأدبية التي تمضي في رواق السياسة جنباً الى جنب، وأحدثها «درويش صنعاء» (الدار العربية للعلوم/ ناشرون). وكان قد نشر قبلها «اليمن وفصول الجحيم» و»آخر القرامطة» وكلها كتب روائية سردية تعيد كتابة التاريخ السياسي اليمني. وامتاز الصياد بهذا النوع من الأدب السياسي خاصة في اليمن وذلك لكثافة النصوص التي أصدرها حتى الآن ولعلاقته الوطيدة والعميقة بهذه التجربة السياسية لكونه واحداً من أهم الدبلوماسيين اليمنيين والعرب في باريس حيث شغل منصب نائب المدير العام لليونسكو للعلاقات الخارجية طيلة 14 عاماً وسفير اليمن في اليونسكو لمرحلتين الأولى دامت 14 عاماً والثانية مستمرة حتى الآن.
من هنا تأتي إطلالة الصياد الأخيرة على واحد من أهم مفاصل الحياة السياسية اليمنية المعاصرة وهو حصار السبعين كما يسمى وهو آخر حلقات الصراع الجمهوري/ الملكي التي تمثلت بحصار الملكيين صنعاء طيلة 70 يوماً (من 25/ نوفمبر1967 الى 8/ فبراير 1968) وهي ملحمة سياسية عسكرية يصفها الكاتب قائلا: «كانت هذه الملحمة وحدت المعسكر الجمهوري بكل تياراته السياسية والفكرية من أجل الدفاع عن العاصمة المحاصرة في مواجهة المعسكر الملكي الذي أحكم حصاره على العاصمة وسيطر على كل الجبال المحيطة بها مستفيداً من دعم معظم الأنظمة العربية وتجنيده عدداً من المرتزقة الأجانب… كانت المعركة غير متكافئة وأعلن عن قرب سقوط صنعاء … لكن المعسكر الجمهوري تمكن من صنع الانتصار ودحر قوى الظلم والظلام…».
لكن القارئ لا يتصور ان روح الكتاب الذي قدمه لنا الصياد عن هذه المرحلة السياسية هي بهذا التفاؤل، فإنه على العكس ينطلق من تجربة عسكرية نضالية عميقة في الحياة السياسية اليمنية وتعد انتصاراً لقوى الخير والتقدم لكنه ينتهي بها نهاية مأسوية ينتحر فيها رايتان من الأبطال غمدان وحبيبته وردة ويعدم البطل السياسي القائد الجمهوري أبو أروى ويرجم الدرويش الثوري «برهان» حتى الموت… وهؤلاء كلهم رموز الثورة والنضال والنقاء في هذه الحكاية.

كيف حصل هذا ولماذا؟
اختار أحمد الصياد الشخصية المحورية للرواية «درويش صنعاء» وهو درويش صوفي بكل معنى الكلمة يؤمن بالله وبالنقاء والحب والحياة»… درويش صنعاء «برهان» هذا كأنه بطل يطلع من رسائل او قصائد «ابن عربي» فهو موحد للأديان وهو انسان يؤمن بالحب ويسعى لجمع حبيبين غير تقليديين هما «غمدان» الثائر و «وردة» ابنة الشهيد التي زُوجت من شخص غريب الأطوار ملكي الأهواء يحاول الصياد -بنجاح- الربط بين شخصية «برهان» الصوفي و «أبو أروى» القائد الجمهوري وتسير الأحداث باتجاه انتصار هذا الزواج الذي يشعرنا بأننا في حاجة إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى.
لكن مجريات الأحداث تتراجع شيئاً فشيئاً في الربع الأخير من الرواية بعد تسويات سياسية ليست في صالح الثوار الجمهوريين في صنعاء، وتنتهي بنفْيهم الى الجزائر، والذين تبقوا من مؤيديهم يلجأون الى عدن مثل غمدان وزوجته، وآخرون ينتهون بشكل مأسوي في صنعاء، مثل أبو أروى وبرهان الصوفي.
النص مشوق تتخلله نصوص شعرية (استشهادات) كما هي عادة الصياد في كتبه، وفيه مواكبة تاريخية أمينة أكاد أقول على الرغم من ميول الصياد المعروفة الى معسكر الثوار، لكن الصورة التي يطرحها ليست منحازة.
رسائل كثيرة يطرحها الصياد في نصه الروائي/ السياسي هذا أهمها، أن الثائر قبل كل شيء يحمل رسالة حب الى العالم وهو رسول عشق وجمال وسلام ولهذا لا تظهر أي صورة للانتقام لدى أبطاله بل العكس يقعون ضحايا حد الانتحار بعد عناق عاشق على شاطئ عدن…
وثمة رسالة أخرى لا تفارق النص وهي أن الدين هو الايمان بالانسان وبالسلام وبالحب أيضاً، ولهذا فان «برهان» كان حليف الثوار والعشاق لكنه انتهى نهاية رهيبة… ولو أن الصياد لا يستسلم لموت «برهان» هذا إنما في السطور الأخيرة يخرج لنا بمشهد سوريالي يتحول فيه جلباب «برهان» الأبيض عندما يموت الى حمامة بيضاء تحلق باتجاه السماء. لكن هذا الجناح الأبيض لا يكفي لنخرج من كابوس النهاية الرهيبة الذي أطبق على أبطال الحكاية، هذا الكابوس يتواصل اليوم في سوريا والعراق وفي اليمن بالذات…
كم حمامة بيضاء ستطير من أجساد الأطفال اليمنيين والقتلى الذين يتساقطون جوعاً ومرضاً ليحل السلام على هذه البلدان التي لا تخرج من جرح إلا وتدمى في جرح آخر.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى