الجزائرية نوميديا جرّوفي: أحياناً العنوان يجذب القارئ بينما المضمون لا شيء

خالد ديريك

 

“في البداية، أقدّم نفسي كقارئة نهمة للكتب قبل كلّ شيء، فالكتاب صديقي ورفيقي أينما أكون في الدّوام في البيت في الحافلة في السّفر، وأنام يوميّا وأغفو وأنا أقرأ”.

هكذا قدمت نفسها الشاعرة والباحثة والمترجمة والناقدة الجزائرية نوميديا جرّوفي.

وقالت: الدّافع الأكبر هو مطالعة الكتب منذ كنتُ في الثامنة ليومنا هذا، كنتُ دوماً أحصل على المرتبة الأولى في المدرسة وكانت هداياي كلها كتبا بشكل قصص أطفال أحصل عليها من أهلي، ثمّ بدأت أختار ما أطالع حيث كنتُ أقوم بتلخيص كلّ رواية من الأدب العالمي بطريقتي وأجمعها في دفاتر ما زلت أحتفظ بها ليومنا هذا.

وبالتّدريج ومع مرور الوقت تعلّمتُ كيف أنوّع القراءات من روايات لشعر لأبحاث بكُتب أشتريها أو أذهب للمكتبات وأمضي يومي هناك أقرأ وأكتب.

وأوّل نصّ لي كان خاطرة في عمر الحادية عشرة بعد قراءتي لرواية الأمين والمأمون لجرجي زيدان.

أما عن إنتاجي الأدبي فهو متنوع، من شعر لقصّة قصيرة لقصص أطفال خيالية لترجمة روايات وقصص قصيرة لأبحاث ودراسات لقراءات نقدية.

في الشعر: محراب في كلّ روح، في متاهة قلبي المسافر، هاتف على أوتار قلبي. في القصة القصيرة: مجموعة قصصية، وقصص أطفال خيالية باللغة الفرنسية وقمت بترجمتها للعربية. في الترجمة: مشرحة بغداد للروائي برهان شاوي للفرنسية، وبعض القصص القصيرة للقاصّ جمال حكمت للفرنسية. في الدراسات: مولانا الحبّ جلال الدين الرومي، تاريخ وثقافة كرُدستان، متاهات برهان شاوي، قراءات نقدية (جزء1)، ثورة الذات والأنا.

وتعتقد ميديا جرّوفي أن كل ديوان يختلف عن الآخر من حيث المضمون والمعنى، “محراب في كلّ روح” هو تقريباً ديوان صوفي كما استخلص مغزاه كلّ من قرأه وتناوله بدراسة كما تناوله الأب يوسف جزراوي وكذا عبدالنبي فرج. و”في متاهة قلبي المسافر” جمعت أحزانا عراقية ودموعا عربية لشرقنا المتألمّ بسبب الدّمار والحروب، فيه آمال وأمنيات. أما “هاتف على أوتار قلبي” فهو ديوان لرفيق الدرب الطويل وسراجي المنير الأقرب للقلب والروح والعقل.

وتعترف نوميديا جرّوفي بأنه لا توجد صعوبات وسط المعركة الكتابيّة، كما وصفتها بطريقة جدّ راقيّة لأنّ الكتابة لا حدود لها ولا أتعثّر في أيّ درب أدبي مهما اختلف عندي ولو حدث وتعبتُ بالكتابة أحيانا أرتاح بالمطالعة لعدّة أيّام لأعود لقلمي مجدّداً.

وقالت: أجد نفسي في الشعر فأنا شاعرة أوّلاً، حيث من خلال الشعر أستطيع التعبير عمّا في أعماقي العميقة من خلال حدث أو واقع أو خيال أو إحساس أو شعور أعبّر عنه بطريقتي الخاصّة.

وهي ترى أن الأدب المغاربي يختلف عن الأدب العراقي أو الأدب المصري أو الفلسطيني، وقالت: لأنني تتلمذتُ بالأدب العراقي فهناك فرق شاسع في بلدي من خلال الروايات أو الدواوين فمواضيعها ليست بالعمق مقارنة بغيرها، للأدب المغاربي كُتابه أيضاً وهناك المتألقون الذين تركوا بصمة أدبية مثل محمد ديب، وكاتب ياسين، وآسيا جبار، وياسمينة خضرة، ورشيد بوجدرة، وغيرهم.

وترى أن الفرق بين الدول المغاربة والعالم العربي أن الشباب هنا لا يطالعون كثيراً وانهمكوا في جيل التكنولوجيا الحديثة فبدل قراءة كتاب تجد أغلبهم في مواقع التواصل الاجتماعي للدردشة دون فائدة. لدينا مكتبات كثيرة لكن روّادها قليلون وهذا جدّ مؤسف.

وهي تقترح أن يدخل موضوع المطالعة في المدارس كما كان في جيلي ليتعلم التلميذ منذ البداية معنى الكتاب وقيمته الأدبية ويبني علاقة صداقة معه بدل الأجهزة الالكترونية.

نصوص نوميديا جرّوفي تأتي فجأة أثناء المطالعة سواء كان النصّ رواية أو شعر أو قصّة قصيرة، ووحده النصّ من يجذبها للكتابة عنه، ولا تختار الكتب من العناوين فأحياناً العنوان يجذب القارئ بينما المضمون لا شيء والعكس صحيح.

وأوضحت أن قراءاتها النقدية قد تختلف عن القراءات النقدية عند غيرها، وقالت: هناك من يتناول النقد بنقط معيّنة منها البحث عن الثغرات والفجوات في النصّ وإظهار عيوب ما كتب الكاتب أو الشاعر ويبحث عن موطن الضعف في النصّ. لكن قراءاتي مختلفة تماماً واستثنائيّة فأنا أظهر جمالية النصّ للقارئ وأبسّطه له بطريقتي الخاصّة حيث أتعمّق فيه أكثر وأعثر على مغزاه أو الرسالة التي ينوي الكاتب إيصالها للقارئ من خلال ما كتب، وليفهم القارئ بشكل أفضل أعطيه أمثلة من أقوال حكماء أو عظماء خلّدهم التاريخ أو قصص واقعيّة أكون سمعتها أو قرأتها يوما لتكون متزامنة مع نصّ الكاتب.

وعن الكُتاب والشُّعراء الجُدد، وهل لهم نصيب عند النقاد أم أنّ الإهمال مصيرهم وحصّة الأسد فقط لنّخبة المشهورين؟ قالت نوميديا جرّوفي: بكلّ تأكيد لهم نصيب عند النقاد، فالكاتب مهما كان جديداً أو قديماً له نصيب في التوغل في كتاباته عند القارئ والناقد خاصّة.

الناقد وحده من يُبرزه بصفة جميلة فيبني فضولا في نفسية القارئ للاطّلاع على إنتاجه أو يبعده عن القارئ لو أبرز فجوات كتاباته كما حدث للكثيرين.

أنا أفضّل أن أتناول قراءات أدبية لكتاب وشعراء جُدد لأفتح لهم الآفاق الواسعة ولا أكتب أبداً للمشهورين فقط، فالمشهور له جمهوره الغفير، والصاعد يحتاج ليعرفه الناس، كما تناولت دراسات لكتّاب أغلب القراء لا يعرفونهم، لكنّي سلّطتُ عليهم الأضواء وشوّقت القارئ للاطلاع على أعمالهم الأدبيّة الثريّة.

وعن الشيء الذي شدّ نوميديا جرّوفي إلى جلال الدين الرومي، لتؤلّف كتاباً موسوعياً عنه، قالت: مولانا جلال الدين الرومي قطب صوفي بارز، ومنذ كنت في الثانية عشرة وأنا أقرأ أعماله وبمرور الوقت تعمّقت أكثر وغصت في أعماق كتاباته حتّى تغلغل في أعماقي حبّ عالمه الذي أخذني بعيداً، قصائده لشمس تبريز ولّدت فيّ الفضول لأكتشف السرّ الدفين وراء اغتيال شمس الدين تبريز، من منهما الشيخ؟ ومن المريد؟ ما هي المولويّة؟ فكتبتُ يوم:

“تجرّدتُ عن جسدي

وتورّطتُ في روحي

فتُهتُ في هوى الأرواح”

وأوضحت أن عالم مولانا الرومي بحر شاسع لا مرفأ له، وفي أعماقه جواهر نادرة عنوانها الحبّ والمحبة والمودة والتسامح وكذا موسيقى الأرواح التائهة التي تجعلنا نحلّق في الأعالي.

هذا ما جعلني أزداد غوصاً لأكتب كتابا موسوعيا لم أنته منه منذ أربعة أعوام وأنا وسط كل الكتب العديدة والأبحاث عنه لأنهي تأليفي الموسوعي للأجيال القادمة.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى