الفيلم التونسي «نحبك هادي» اللحظة الثورية في وعي الشباب العربي

محمد عبد الرحيم

خمس سنوات مرّت على الثورة التونسية وقت إنتاج فيلم «نحبك هادي» 2016، وهو العمل الروائي الأول لمخرجه محمد بن عطية. ليدور التساؤل، وماذا بعد؟ وما أثر ما حدث على وعي شاب تونسي يتشابه والكثير مع الشباب العربي الحائر، والذي يعاني حتى الآن وسيظل. هذه الحيرة التي أنهتها حالة الثورة، ليجد (هادي) وأشباهه أنفسهم للمرّة الأولى في حالة الفعل، بدون الاكتفاء بحياة رد الفعل التي يحيونها ويستكينون إلى تفاصيلها. لكن الفعل الثوري الجماعي الذي استطاع زلزلة سلطة العديد من الأنظمة الاستبدادية، يبدو هينا أمام السلطة التي يعانيها الفرد، سلطة البيت والمجتمع، ليرد هادي الذي يعاني كل هذا الثقل في عبارة فارقة «هل لا يبدو عليّ أنني ثوري؟». الفيلم أداء كل من، مجد مستورة، أمنية بن غالي، صباح بوزيد، ريم بن مسعود وحكيم مسعودي. سيناريو وإخراج محمد بن عطية، حصل الفيلم على جائزة العمل الأول في مهرجان برلين السينمائي في دورته الـ66. وعُرض الفيلم مؤخرا ضمن عروض سينما زاوية في القاهرة.

هادي

تتشابه حياة هادي والكثير ممن هم في مثل سِنه، سواء في تونس أو الدول العربية الأخرى، يعمل مضطرا في قسم المبيعات في إحدى شركات السيارات، رغم أنه يحب الرسم، ولا يجيد غيره، لذا فهو لا يهتم بشيء، ويحيا هكذا كيفما اتفـق.
تسير حياته وفق هوى الأخـــــــرين، خاصــــة الأم، التي تسلمت السلطة بعد وفاة الأب، ومارستها بجـــدارة، ولا ترى في هادي سوى طفل صغير لا يعرف ولا يدرك من أمــــره شــــيئا، فقط الأخ الأكبر، الذي تتـــــباهى به على الدوام، هو الذي يُشاركها هذه السلطة، رغم تواجده في باريس، لكنه يتواجد دوما مع الأم، سواء من خلال حديثها عنه، أو من خلال الحديث معه عبر تقنيات التواصل الحديثة.

هادي وخديجة

يستعد هادي للزواج من خديجة، علاقة رغم حالة الحب التي توحي بها نظرات كل منهما، إلا أنها غاية في التقليدية، فأم الشاب هي التي تختار المنزل والأثاث، وأم الفتاة تختار لها ملابسها، وما إصرار خديجة على الإسراع بالزواج إلا للهروب من سلطة بيتها هي الأخرى، «مش عاوزة حد يسألني كنتِ فين واتأخرتِ ليه». هادي وخديجة يلتقيان خلسة في سيارة هادي، تجلس جواره مطأطأة الرأس، في خوف دائم يصل حد الرعب من كشف أمرهما. هنا تبدو اللقطات القريبة الخانقة التي تجمعهما، فلا أفق يبدو، ولا مستقبل لهذه العلاقة من البداية. وبينما يذهب الأخ الأكبر لإتمام مراسم الخطبة مع والد خديجة، يجلس هادي في المقهى، وكأنه طفل، ينوب عنه الجميع حتى في أكثر الأمور خصوصية، أمر زواجه.

هادي وريم

ذهب هادي إلى مدينة أخرى، كمحاولة للتواصل مع عملاء جدد، في ظل وضع السوق الراكد، ويؤدي عمله في روتينية شديدة، على سبيل تمضية الواجب، وهناك يتقابل و(ريم) الصورة النقيض من خديجة، ريم التي تعاني بدورها من ركود السياحة، وتؤدي بعض الرقصات في قرية سياحية شبه مهجورة، تتواصل مع هادي، بدون مواربة أو نظرات خائفة، هكذا تفتح له بابا جديدا للحياة، حالة التناقض هذه يتم التأكيد عليها، في اللقطات الواسعة، التي تجمعهما، سواء عند شاطـــــئ البحر، أو التلال، وحـــــتى زيارة مقابر المدينة، وكأنه لابد أن يودع حـــياة المــــوت التي يحــــياها من خلال ريم.
هذه المرأة المتمردة على السلطة الاجتماعية تدفعه للثورة على كل ما لا يريده، بداية من أمه التي ينفجر في وجهها بالحقيقة، وقد امتنع عن حضور حفل زفافه، إضافة إلى أخيه، الذي يتمثل ظل الأب الغائب.

هادي

يتخلص هادي في النهاية من كل ما يعيقه، بداية من الأم ــ أساس التشوه الذي طاله طوال حياته ــ وصولا إلى سلطة ريم نفسها، فلم يوافقها على الذهاب معها وترك بلدته وحياته هنا، رغم حالة الحب التي يعيشها معها ولم يعرفها من قبل. ترك هادي وظيفته وسيتفرغ لما يجيده من رسوماته الكاريكاتيرية. ورغم كونه يقف في منتصف الطريق ــ خارج أبواب المطار ــ إلا أنه على الأقل اختار ولديه القدرة على تحمّل مسؤولية اختياره هذا للمرّة الأولى في حياته، وكأنه نجح أخيرا في خلق ثورته الخاصة، التي هي بداية ثورة اجتماعية وسياسية أكثر يقينا.

الوعي الثوري

حاول الفيلم الذي يتخذ إيقاعه من إيقاع الشخصية الرئيسية (هادي) أن يوحي بأن فعل الثورة ممتد، ولا يقتصر على نضالات الميادين، التي يمكن أن تنتهي لسبب أو آخر. الفعل يبدأ من الفرد نفسه، وأن يثور على أقسى صور السلطة، البيت ــ أب أو أم ــ ثم مجتمع يريده أن ينتمي إلى طوابير القطيع، حتى يصبح جديرا بالانتساب إليه. يمرر الفيلم هذه الحالة في هدوء ووعي شديد، بدون التورط في صخب مشاهد ثورية اعتادها المشاهد، وهو الرهان الأصعب الذي لعب عليه كاتب ومخرج الفيلم. فلم تكن هنا حالة التباكي المعهودة مثلا، على ما كان مرجوا وما هو كائن بالفعل، بل هناك نغمة عالية من الأمل، رغم اللحن الطويل الهادئ من التخبط والبحث عن طريق.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى