عن القصص العصية على النهايات، تكتب “أمل زقطان”

-أمل زقطان-   خاص (الجسرة)

 

في حقيبتي مفتاح لباب بيت صغير، يختفي خلف البيوت، مستترًا بخجل يجعله غير ظاهر.
أسكنه عندما تضيق الدنيا وتصبح بحجم الكف، أنام بعمق، وتأتي الموسيقى وحدها للرقص حولي، وتصبح الروايات أجمل، والشعر يتمرجح على الدرج الخارجي، وكثير من الخيوط تنسج لوحات قادمة من أرض موغلة في التاريخ.
أتجول، وأرفع صوتي متحدثة للاأحد، فيستمع، ويصغي ويهز رأسه موافقًا.
في البيت لا أرى إلّا ظلالًا لنساء يتحدثن، وأبي يتجول مستغربًا، وأمي تحاول الشرح لميت.
هناك تسكن نصف حياتي، والنصف الآخر يتجول وحيدًا وناقصًا بين الناس!

 

**********

في البيت ستائر وأغطية من ورد، وأرفف ممتلئة بالحكايا والشعر، وأرى أيضًا صورًا لمن رحلوا وتركوا وجوههم بأطار خشبي، تبدو فيروز غارقة في هم النسيان، لا زالت تغني في بيتنا منذ زمن، لكنني أحيانًا أطلب منها وقتًا للست ولنجاة وعبد الحليم..
هناك أنا ..لا أدري من منا يملك المكان، الصور، الستائر، فيروز، الكتب..
ومن منا يتكيء على الاخر؟

**********

 

حتى لو توقفت عن النظر إلى مرآتها ، وتجاوزها المارون بدون اكتراث، وأصبح ما في خزانتها عبئًا ثقيلًا على جسدها، وغادر الأولاد بعيدًا، وأدار وجهه رفيق العمر باتجاه جدار الغرفة، وتوقفت أدوات المطبخ عن السعي بين موقدها وحوض الغسيل، حتى لو فرغت زجاجة العطر، ونامت أدوات زينتها بالأدراج.
حتى لو توقف هاتفها عن الرنين، وباب بيتها استكان وهدأ، وتلك النافذة التي أطلت منها على الحياة اسدلت ستائرها، وكل من مروا توقفوا عن الوصول.
حتى لو أقامت الدنيا خلف جدارها، وأغلقت الممرات.
ستبقى هي وللأبد، وحتى نهاية التقويم، تلك المرأة العصية على النهايات، ستبقى المسافات الممتدة، والسماء المحملة بغيم المطر.
لا تموت النساء، إلّا إذا أردن ذلك، يبقين في الذاكرة وعلى (حيطان) البيوت صورًا مبهجة، يستمر وجودهن رغم غياب الجسد، أرواح حية تجوب بيوت أولادهن، والطرقات التي سرن فوقها يومًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى