«بانجيا» إعداد مسرحي ركيك لرواية جورج أورويل «مزرعة الحيوان»

محمد عبد الرحيم

لم تزل وستظل رواية «مزرعة الحيوان» التي نشرها جورج أورويل عام 1945 صالحة كمصدر مهم للعديد من الأعمال الفنية التي تجد فيها الكثير من الأفكار والرؤى، التي تعبر عن مأزق السلطة وطبيعتها، خاصة في الدول المنكوبة بالنظم الاستبدادية، والتي لا تخرج عنها أي دولة موسومة بالعربية.
وفي محاولة جديدة تستوحي «مزرعة الحيوان»، جاء العرض المسرحي «بانجيا»، الذي عُرض مؤخراً على مسرح الجامعة الأمريكية في القاهرة. العرض أداء كل من سعيد مدكور، إيمان أبو العز، محمد أيمن، سعيد سلمان، محمد علاء، مريم أيمن، ياسمين طارق، رانيا عبد الناصر، حسن ماهر، نادين خالد، محمد أبو سريع، محمد عبد الله، رامي علي، مصطفى خطاب، محمد ممدوح، وأشرقت أحمد. ديكور أحمد مورو، إضاءة باسل ممدوح، ملابس نوران مدحت، موسيقى محمود وحيد، إعداد محمد عادل، وإخراج عمرو عفيفي.

الثورة على السيد

بخلاف تأويلات حكاية «مزرعة الحيوان» والإسقاط المباشر على نظام ستالين ورجاله، إلا أن تجريد القصة من رموزها يجعلها أكثر صلاحية وصموداً أمام الزمن، على العكس من الاقتصار على أحداث سياسية وتاريخية انقضت، وهنا تكمن أهمية حكاية «مزرعة الحيوان»، فهي بالأساس ــ بغض النظر عن دوافع كتابتها ــ حكاية مأساة السلطة وتحول الحلم الثوري وتحقيق العدالة الاجتماعية إلى حكم شمولي واستبدادي يمجد الفرد ويؤلهه. فالفئة التي ثارت على «السيد» الإنسان مالك المزرعة، ستتحول إلى فئتين من السادة والعبيد، ولا مجال للمساواة سوى شعارات وهمية يمكن كتابتها وترديدها في بساطة، كما يمكن تحريفها في بساطة أكثر، طالما هناك سلاح القوة والإرهاب من قِبل الحاكم الجديد تجاه رفاق الأمس من الحيوانات.

العرض المسرحي

حاول العرض المسرحي «بانجيا» أن يعيد سرد الحكاية وفق آليات المسرح وتقنياته، ورغم الاجتهاد الكبير من قِبل الممثلين، من حيث الأداء الحركي في المحافظة طوال العرض على انتهاج حركة الحيوانات المختلفة، كالحصان والقطة والفأر والدجاجة والبقرة، ومجموعة الخنازير بالطبع، إضافة إلى الأداء التعبيري الذين أجادوه إلى حدٍ كبير، في دقة واتزان يفوق الكثير من الممثلين المحترفين، الذين يطالعوننا دوماً في عروض مسارح الدولة كموظفين بالأساس، ثم للتمثيل شأن آخر.
فمن خلال دور الممثل الذي لم ينفصل عن الشخصية والإيحاء بها، وهو أمر في غاية الصعوبة عند تجسيد حكاية الحيوانات، تأتي العناصر الأخــرى المكملة للعرض، وإن كانت متفاوتة المستوى، كالإضاءة والديكور والموسيقى، فعنصر الممثل هو اللافت والأهم في هذا العرض، وهو في صالح المخرج بالطبع، بداية من اختياره للممثلين وتدريبهم، وخلق حالة التناغم بين الكل.

مشكلة الإعداد المسرحي

بداية يُذكر أن العرض من تأليف محمد عادل، وهو مُسمى يتنافى وطبيعة العمل ومصدره، ليدخل في مصاف إعداد النص مسرحياً، وبخلاف نرجسية المُسميات، هناك العديد من المشكلات التي صاحبت هذا الإعداد، الذي جاء باللغة الفصحى، وبالطبع سيصبح للبلاغة محل، مما جعل الكثير من العبارات تجاهد إلى الإشارة في كونها عبارات بليغة، عن الجوع والمذلة والصلف الإنساني والسلطة والعدالة المفتقدة، ولنا أن نسرد من المفردات والعبارات إلى ما لانهاية، رغم أن الأداء المسرحي كان يمكنه اختصار النص إلى حدٍ كبير، لكنه تورط بدوره ليصل إلى حد الملل من التكرارات والإعادات كشأن المبتدئين، حيث يبدو الشك في أن كلماتهم لم تصل بما فيه الكفاية، أو الإعجاب بالعبارات الرنانة التي تستخرج التصفيق والصفير من الجمهور، الذي رغم كونه من الشباب، لكن يبدو أنه ورث الثقافة الإذاعية عن أسلافه. وبخلاف الإطالة والترهل في بعض فصول العرض إضافة إلى منولوجات بعض الشخصيات ــ خاصة الحصان ــ وهو يواجه الجمهور في النهاية بكلماته الحكيمة التي تعود بنا إلى رِدة صخب مسرح الستينيات الفارغ، ليتأسى وينتظر التصفيق في النهاية.

الفصام وفخ التقليدية

ونلحظ تبعاً لذلك حالة الفصام الشديد بين الأداء الحركي والتعبيري للممثلين، وتقليدية النص وبنيته، حتى أن في الكثير من الأحيان كان يمكن الاكتفاء بالموسيقى والحركة، بدون رطانة وسخف الحوار والكلمات المتشنجة أو السابحة في بحر البلاغة والإطناب. فالنص الذي تم إعداده أعاق الكثير من إمكانات العرض، وجعله يستند إليه فقط، وما العناصر الأخرى إلا مُكملات من إضاءة وملابس وديكور، لذا جاءت محدودة، دونما ابتكار أو تجديد، فقط كيفما اتفق.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى