مدينة بعيون من زجاج.. ل “صفاء الشرقي”

-صفاء الشرقي-   خاص (الجسرة)

 

ربما لم أخبرك بأنني كثيرًا ما أتساءل كيف كانت لتبدو هذه المدينة لو أنك فيها كيف كان ليبدو هذا الصباح البارد لو أنني استمعت لصوتك كل يوم..
كيف كان ليكون المطر تحت هذه السماء المثقوبة بالرصاص والموت.. كيف كانت لتكون وحدتي لو أنك هنا وكيف كنت لأبدو لو أنك في هذه المدينة!
ربما كنت لأبدو أقل ضياعًا وأكثر بياضًا وشبابًا، بقلب لم تحفر وجهه تجاعيد الأسى، ربما كنت لأبدو أقل توحدًا و انكسارًا، وأكثر تماسكًا، وربما كانت لتبدو هذه المدينة أقل بشاعة وأكثر ألفة، أقل حقدًا وأكثر حبًا، أقل هرمًا وأكثر طفولة!
ولم أخبرك أيضًا كيف أحاول أن أرى هذه المدينة بعينيك لأن مدينتنا قد سرقت مني عينيي ووضعت مكانهما كرات زجاجية، ولم أخبرك أيضًا كيف أستعير صوتك لأشعل الحياة في صندوق الصوت القابع في عنقي والمملوء بغبار الدهشة والموت!
لم أخبرك كيف يغوص قلبي بين أضلعي من الوحدة كلما سمعت فيروز تغني “يا رايحين والتلج ما عاد بدكن ترجعوا” فأنا أعرف بأنني أواجه وحدي مدينة اللامعقول هذه حيث الموت وحده الحقيقي و كل شيء سواه زائف..
لم أخبرك بما قد يبدو ضرب من الجنون..
ولكنه قد أصبح بإمكاني أن أشعر بك حين حزنك و ألمك، كما لو أن هذه المدينة قد تقمصتك وتقمصتني، كما لو أنها حاكت خيوط لامرئية بيني وبينك وبينها!
وأخيرًا لم أخبرك كيف أن الله قد زرعني هنا لكي أكون شباكك المفتوح على هذه المدينة، رغم أنني لست سوى رقم ضائع بين أرقام عديدة.. رقم بلا عمر.. بلا كفن.. بلا قبر.. وبلا شاهدة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى