”خلاص الكائن البشري يقع خلف ظهره“ .. الروائي ”ماوريتسيو طيروني“ محاورًا ”أحمد لوغليمي“

* أجرى الحوار وترجمه عن الإيطالية: أحمد لوغليمي

 

 

ماوريتسيو طيروني [1967] قاص، روائي وناقد تربوي، ابن مدينة جنوة، بين 1992 و 1999 نشر العديد من الدراسات النقدية في مجلتي ”أبحاث عشرينية ”Studi Novecenteschi“  و”الصورة المعكوسة ”L’Immagine riflessa“.

لم يتوقف عن تأليف ونشر الكثير من القصص القصيرة، والقصص القصيرة جدا؛ ”زهرة كايرو الأرجوانية La Rosa Purpurea del Cairo“ ، ”مسارات Passaggi“، ”المالطي Il Maltese “.

 

عمله الروئي الأخير ”الطَّمْي“ اعتبره النقد كناية عن الانحطاط السوسيوـ سياسي والاقتصادي للكائن البشري في ظل الأزمة الحالية، وهو العمل الذي يقول أنه مدين به لطفل مغربي كان يبيع الأزهار في أزقة جنوة Genova

رواية تحاصرك بالأرواح المنذورة للتيه، التي تعوزها الحوافز ويبتلعها النظام المأزوم. ماوريتسو أيضا ينتمي إلى تلك الفئة النادرة من الكتاب الذين يلقنونك درسا في التواضع والاعتراف…

.
■ ماوريتسيو طيروني الإنسان و ماوريتسيو طيروني الكاتب. من هو ماوريتسيو الإنسان وكيف أصبح كاتبا؟

.
□ ما يعنيني في المقام الأول هو أن أكون إنسانا. أن أُعَرِّفَ نفسي بكوني كاتبا، بصراحة، أمر يزعجني. ما أصبو إليه هو أن أكون إنسانا، جديرا بي. أعتقد أن هذا هو ما ينبغي أن تنبني عليه كل قواعدنا؛ أن نُرَكّز على ذواتنا، العثور على توازننا الوجودي. إجمالا، أن نكون في أفضل حالاتنا الإنسانية… البقية تأتي تِباعاً فيما بعد. حين يعثر الشخص على توازنه الخاص، ويكون إنسانا بالفعل، يستطيع أن يعتني بالأشياء الأخرى. عند تلك النقطة، إن شاء أن يبدع أو يكتب، سيبدع ويكتب بأنجع وأجمل الصيغ الممكنة. فيما يخصني، الكتابة ربما هي أفضل شكل يُمَكِّنُنِي من التعبير… في جميع الأحوال، أن تكون كاتبا سيئا هو حتما أقل ضررا من أن تكون إنسانا سيئا.
.

■ القصة، القصة القصيرة جدا، الرواية… أي من هذه الأجناس الأدبية يغوي ماوريتسيو طيروني أكثر؟

.
□ سأقول القصة بتنويعاتها؛ القصة، القصة القصيرة جدا، أو القصة الأطول. حتى وإن لم أكن متأكدا تماما. أريد أن أقول: لكل حكي مقاساته المثالية. علينا أن نعرف كيف نعثر على البذلة المناسبة. بلا ريب، كتابة قصة جميلة شيء صعب. تقتضي إتقانا كبيرا وحِسّ توازن داخلي. كتب خوليو كورتاثار يوما بأن القصة القصيرة تشبه الصورة الفوطوغرافية، الرواية تشبه فيلم. هذا التعريف يبدو لي مناسبا جدا.
.

■ بعد العديد من القصص القصيرة، والقصص القصيرة جدا، التي تبدو لي مكثفة جدا، وتقول أكثر مما قد تقوله العديد من الروايات المطولة، نشرتم نصا روائيا “الطّمي”. ألم تفلح القصة في القبض على كل ما يروم قوله طيروني، أم أن للمغامرة الروائية دور آخر مختلف؟
.

□ في الحقيقة، “الطَّمي”، وُلِدَت في البداية كقصة. وفعلا أنا أعتبرها قصة طويلة. الرواية جنس أدبي مصاغ من تَسَلُّلاَتٍ عديدة، الوقائع تتشابك، تتعقد، تغمض. القصة على العكس تتبع خطا أحاديا. على كلّ حال يصعب أن نحسم الفرق الحقيقي والنهائي بين الرواية والقصة. لا أظن أنها فقط مسألة طول.

.
■ ثمة من يكتب ضد الموت وثمة من يكتب لأنه يعتقد بأننا ونحن نكتب نستطيع أن نغير العالم، لماذا يكتب ماوريتسيو طيروني؟
.

□ إن سمحت لي، سأسرق منك تعريفاتك وأجمعها معا. أكتبُ لأعرقل الموت، لأسبغ معنى على الحياة، وهذه هي طريقتي لتغيير العالم: أن أعثر على جسر التواصل مع الآخر.

■ كيف ترون الرواية العالمية والإيطالية اليوم، وما الذي يمثله لكم الأدب العربي؟

□ اليوم، العالم تحكمه قوانين اقتصادية حديدية. والرواية لا تستطيع الفكاك من هذه القوانين: قد تتحول إلى بضاعة للبيع. المخاطرة هي أن تتسلّط قوانين السوق على نوعية الكتابة. فيما يتعلق بالأدب الإيطالي، أظن أنه يعاني من الاستلاب، خصوصا تبعيته للثقافة الأمريكية. وهذا بالنسبة لي خطأ شنيع، لأنه لا يمكننا أن ننكر جذورنا الخاصة.
.

لسوء حظي لا أعرف الكثير عن الأدب العربي. إذا ذهبتَ إلى أية مكتبة إيطالية، ستلحظ النقص الكبير للترجمات النادرة جدا للأدب العربي. قرأت ”ألف ليلة وليلة“، الذي أراه كتابا فذا وفريدا في عظمته؛ قرأت كتابات الصوفية وخصوصا كتابات جلال الدين الرومي، من بين المعاصرين قرأت للطاهر بن جلون ولآخرين… ما يدهشني، اعتمادا على القليل الذي أعرفه، هو ذوق الكتابة المحبوكة، الذي يبعثك إلى ثقافة تجويفية ومتشعّبة، غنية في عمقها وأسرارها. ثم إننا ننتبه إلى بُعد إنساني عظيم في الأدب العربي، بُعد إنساني لا يستسلم للاستخفاف والوقاحة.

بالإضافة إلى أنني مقصر في حق الثقافة العربية، فإنني مَدِينٌ لها. رواية ”الطمي“ وُلِدت من حكاية حقيقية حكاها لي طفل مغربي، كان يبيع الأزهار، في أزقة جنوة، اِلْتَقَيتُه في أحد المقاهي… كانت قصته رهيبة، حكى لي قصة عائلته، وكيف أن خلافا عائليا بين والده وأحد أقاربه جعله ينهي حياته بالانتحار…

تلك الليلة، حَلُمْتُ بتلك القصة.. وفي الغد شرعت في كتابتها، لهذا أريد أن أقول لذلك الطفل شكرا، وأنني مدين لك… تحدثت معه فقط لدقائق معدودة، ربما لربع ساعة، ولم ألتقه بعدها قط… والآن… من يدري أين هو الآن؟…

■ ما فائدة الأدب ؟ وهل بإمكانه تغيير الناس؟

□ أنظر، إن كان علي أن أتأمّل حالتي، أستطيع أن أأكد لكَ بأن الأدب غيرني. إن حدث هذا معي، فقد يحدث مع الجميع. أفترض أن للأدب فائدة، وأظن أنها هي تأسيس أساطيرنا الخاصّة وكشف دهاليز وعينا.

■ ما الذي يدفع ماوريتسيو طيروني إلى الإمساك بالقلم والشروع في الكتابة؟

□ الرغبة في أن أمنح شكلا لما يحدث في داخلي ومن حولي.

■ كيف ترون مستقبل الأدب وخصوصا الرواية والقصة؟

□ أعتقد أن الأدب ضروري للإنسان. من الصعب أن نتكهن كيف سيكون حاله في المستقبل. أخشى أن يبرز أدب مُعَوْلَم ومصادق عليه من قبل سوق النشر، حيث يصبح السرد دائما معدّا لخطط البيع والشراء. ربما حينها سيحيى الأدب القيّم والجاد في أشكال مهرّبة.

■ بالنسبة لك هل ثمة حدود بين الأجناس الأدبية؟

□ لا. بالنسبة لي الجنس الأدبي اختلاق، نعت رسخته السوق. الكتاب العظيم له قيمته فيما وراء الجنس الأدبي الذي يمثله. بل أكثر من ذلك، أعتقد أن فكرة الأجناس الأدبية تحاصر وتحد من حرية الأدب.

■ ما هي الكتب التي صنعت ماوريتسيو طيروني؟

□ بدأت القراءة في سن متأخرة، لنقل حوالي سن العشرين. بعد ذلك كنت محظوظا بعلاقتي بمعلم عظيم مثل الشاعر إدواردو سانغوينيتّي، الذي حرّضني وأنعشني ثقافيا. إن كان علي أن أشير لبعض من الكتب الكثيرة التي أثرت في وأرجع إليها دائما، سأقول: ”الكوميديا الإلهية“ لدانتي، ”هكذا تكلم زرادشت“ لنيتشه، ”المحاكمة“ لكافكا…

■ شاعرك الأعظم؟
□ دانتي ألغييري.

■ كاتبك المفضل؟
□ فرانز كافكا.

■ الحب؟
□ سراب، لكنه يقود إلى جزيرة.

■ الرواية؟
□ سفر.

■ الشعر؟
□ أحجية.

■ القصة؟
□ حكاية تتكئ على ذاتها.

■ القصة القصيرة جدا؟
□ شذرة من العالم.

■ المدرسة؟
□ ثكنة عسكرية.

■الحياة؟
□ فرصة.

■ الموت؟
□ قفزة في الظلام.

■ الشعراء؟
□ خيميائيو الكلام.

■ الفن؟
□ موهبة.

■ الحلم؟
□ رسالة.

■ السلطة؟
□ خطر محدق.

■ الثورة أو الربيع العربي؟
□ درس عظيم في الكرامة.

■ الثروة؟
□ فخ.

■ الفقر؟
□ مورد.

■ الترجمة؟
□ نصّ موازي.

■ المرأة؟
□ رفيقة درب.

■ الجمال؟
□ أفق.

■ الليل؟
□ أبو الأحلام.

■ الأصدقاء؟
□ إخوة.

■ جنوة؟
□ مدينة جميلة ومزعجة.

■ أين يوجد خلاص الكائن البشري؟
□ قربه تماما، خلف ظهره.

■ ماوريتسيو طيروني؟
□ شخص فيه أحاول أن أتعرف عليّ.

 

(نُشر في القدس العربي)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى