أمور متشابكة في نص جديد للشاعر اليمني “قيس عبدالمغني”

-قيس عبدالمغني-  خاص (الجسرة)

 

دائمًا
وحينما أقول لك أنني أحبك فأنني أقصد أمرًا آخر تمامًا
أمر أكثر عمقًا وأفدح واقعًا
أمر ضارب في الصدق طاعن في السريالية..
أمر تعجز هذه الكلمة الهشة في إيصاله كما هو بلا خدش في الصورة أو نقص في المعنى..
أحتاج للغة جديدة أحبك بها
لغة واسعة الحيلة وبالغة الثراء يمكنها أن تتصدى لتلك الأحاديث الملغزة المحتدمة بي والتي تشير جميعها نحوك..
أحتاج لأبجدية غارقة في الموسيقى بما يكفي لأن أصنع من قسوتك رقصة ومن برودتك حفل شواء ومن صمتك قصيدة أوبرالية ..
أريد فحسب
أن تتركنا (أحبك) بمفردنا
كي أقترب بهدوء من عطرك
وأفشي لكِ بحقيقة الأمر..

 

*******

أنتِ لم تشاهديني حين أكون أحيانًا.. أنا
أعني أنك لم تشاهدي من قبل رجلًا يستيقظ في منتصف عمره ليتسكع عاريًا في شوارع تكتظ بوحدته..
أتعرفين أحدًا بمقدوره أن يضيء بمفرده نوافذ حي كامل في الثالثة صباحًا؟!
أسبق وأن رأيت أحدهم مباشرة وهو يتأوه من شدة الحب ويصرخ حتى يكاد الدم ينزّ من عينيه؟!
أسبق وأن شاهدتِ أحدًا يراقص ظله حتى تتآكل قدميه وتهوي براعته أرضًا؟
أنتِ لم تشاهدي من قبل رجلًا يستعين بأضواء الأنفجارات بداخله كي يكتب قصيدة عن ساق إمرأة عبرت من أمام مخيلته دون أن تلتفت له..
رجلٌ تلهمه أشلاء الأطفال وفوارغ الذخيرة أن يكتب عن مزايا الوطن وفوائد السيانيد و القبلات الفرنسية
أنتِ لم تشاهدي أحدًا يدمع لأجل عقب سيكارة ألقاه مرغمًا في شارع مقفر إلا من ريح نشطة و مريبة..
أنتِ لم تشاهدي أحدًا كلما أقتربت منه فرصة للنجاة لاذ بالاختباء خلف نفسه مستلًا سكينًا وخطة
أنتِ ببساطة لم تشاهديني حين أحب
وكذلك
حين أخسر-متعمدًا- فرصتي أمامه

*******

 

يفترض أن تظهر حبيبتي في أول سطر من هذه القصيدة
لكنها لم تأت لأنها منشغلة بحياة حقيقية ولا وقت لديها لهراء الشعراء و طيشهم..
يفترض في مشاهد هذه القصيدة أن ثمة فستان أسود ممدد على سرير ما، وأن ثمة وردة تذبل بهدوء على الكومدينو المجاور..
في جزء آخر من هذه القصيدة يفترض أن تظهر دمية باربي محروقة وملقاة في العراء
يفترض بأن يكون هناك بحيرة زرقاء وقارب ضئيل وزغب رهيف يتلألأ على صفحة ساق عارية يحرسها كلب وسيم مبلل.. 
لا شيء من هذا كله
القصيدة فارغة تمامًا
كأنها تعرضت للسطو في الليلة التي سبقت كتابتها..
أنا أيضًا
كان من المفترض أن أظهر في نهاية هذه القصيدة جاثيًا على ركبتي و رافعًا يديّ إلى الأعلى
لكنني كنت منهمكًا بالمشاغل المعتادة لرب أسرة يعاصر زمن الحرب و الوعاظ المسلحين..
يفترض بأن هذه لم تعد قصيدة
لكنها لسبب غامض
مازالت كذلك!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى