70 فعالية في عام الدوحة عاصمة الثقافة الإسلامية

تحت الرعاية الكريمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، انطلقت أمس فعاليات الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لعام 2021، التي تستضيفها دولة قطر تحت شعار «ثقافتنا نور». وتستمر الفعاليات على مدار العام بإشراف وزارة الثقافة والرياضة، بالتزامن مع يوم المرأة العالمي، وبالتعاون مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، واللجنة الوطنية القطرية للتربية والثقافة والعلوم، والشركاء الاستراتيجيين وهم، وزارة التعليم والتعليم العالي، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومتاحف قطر، والمؤسسة العامة للحي الثقافي «كتارا»، ومؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، والعديد من الجهات المشاركة بالدولة. وبرعاية من صندوق دعم الأنشطة الاجتماعية والرياضية، وقطر الخيرية (كراعييْن ذهبييْن).

وأقيم حفل تدشين الفعاليات أمس من خلال بث حلقة تلفزيونية خاصة عبر القنوات الفضائية المحلية والعربيّة، وهي، تلفزيون قطر الشريك الإعلامي، وقناة الريان الفضائية، والتلفزيون العربي، والجزيرة مباشر، وموقع الفعالية الإلكترونية، التي تم تصويرها في متحف الفن الإسلامي ومؤسسة الحي الثقافي كتارا، لما لها من بُعد ثقافي وإسلامي، وذلك تماشيًا مع تطبيق الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. وقدّم الحلقة الخاصة بالاستضافة، الإعلامية خديجة بن قنة التي أدارت اللقاء، مستضيفة كلاًّ من الدكتور جاسم سلطان مدير مركز الوجدان الحضاري، والدكتور ناصر الحنزاب الممثل الدائم لدولة قطر في اليونيسكو، واستفتحت الحلقة بترتيل آيات عطرة من القرآن الكريم، تلاها القارئ محمد الجاسم، بالإضافة إلى كلمة سعادة وزير الثقافة والرياضة لدولة قطر، ومدير منظمة الإيسيسكو، كما تخلل الحلقة العديد من الفقرات والتقارير الثقافية المتنوعة.

تنوع ثقافي

في البداية استهل سعادة السيد صلاح بن غانم العلي وزير الثقافة والرياضة انطلاقة الفعاليات في كلمته التي ألقاها مستحضرًا قولَ اللّه تعالى «يَا أيُّها النَّاسُ إنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذكَرٍ وأُنثَى وَجَعلْناكُمْ شُعوبًا وقبائلَ لتَعارفُوا»، موضحًا: «أن ذلك يزيدُنَا إيمانًا بأنَّ الثَّقافةَ الحَقيقيّةَ هِيَ تَعارُفٌ بيْنَنا وَبينَ الآخَرِ، وهَذَا التَّعارُفُ يتطلّبُ الإيمَانَ بالعِلمِ لإِبْداعِ المعَارفِ والفُنُونِ حَتَّى تَكُونَ مُنتَجَاتُنَا التي بهَا نتَعَارَفُ وبهَا نتمايَزُ. كَمَا يَتَطلّبُ هَذَا التَّعارُفُ احْترامًا للآخر وحوارًا مُسْتَمرًّا، لأنَّنَا نحْتاجُ إلَى الحِوارِ احْتيَاجَنَا إلى العَلاَقَاتِ الإنْسَانيَّةِ، فَالإِنْسَانُ مَدَنيٌّ بطَبْعِهِ وَالاخْتِلاَفُ سُنّةٌ كَونيّةٌ في جمَيعِ المجَالاتِ». وأكد سعادته أن الثقافة تُعبّرُ عمَّا تتَميّزُ بهِ الأُمَمُ منْ تَصوُّراتٍ للحَياةِ، فتُحَدِّدُ عَلاقةَ المجْتمعَاتِ بالوُجودِ وبِبعْضِهَا بعْضا، وتَكُون حَاجَةُ هذِهِ المجْتمَعاتِ إلَى الثَّقافة ِكَمثلِ حَاجَتهَا إلى مُكوِّناتِ هُويّتِهَا، إذْ الثَّقافةُ معينٌ خِصبٌ لتشكِيلِ هُويّةِ المجْتمعِ، وهي في الآنِ نفْسِهِ تُحقِّقُ تمايُزهُ وتَرسُمُ دَوره في الحَضَارَةِ الإنسَانيَّةِ بمَا يَزْخَرُ بهِ منْ تقدِيرٍ للعلمِ وحِرصٍ عَلَى الإبداعِ والابتكارِ وإيمانٍ بالتَّفَاعلِ معَ الآخَرِ، فتَكونَ الثقافةُ صَمَّامَ أمَانٍ للمُجْتمعِ ورَافدًا منْ روافدِ الإسْهامِ الحَضاري بفضْلِ مَا تَسْعَى إليْهِ جميعُ المشاربِ الثّقَافيّةِ منْ تعزيزٍ للكَرامَةِ الإنْسَانيّةِ. وأضاف: يشهد تاريخُ ثقافتِنا في العَالم الإِسْلاَمي عَلَى الدَّورِ الحَضَارِي الذِي سَاهمَت فيهِ أجيالٌ منَ العلَماءِ والمفَكِّرينَ والأُدَباءِ والفنَّانينَ، فقدْ انتقلتْ كثيرٌ منَ المُؤلَّفاتِ العلميّةِ في مخْتلفِ العُلومِ والفُنون والآدَابِ إلى أُورُوبا وتُرجِمتْ إلى اللُّغاتِ اللاَّتينيَّةِ حَتّى أَضْحتْ مَراجعَ أسَاسيّةً في جَامعَاتهَا وَمَصْدرًا لإثْراءِ الفِكرِ الأُورُوبي وَالإنْسَانيِّ عُمُومًا، إذْ لمْ تَخرْجْ الحَضارةُ الإسلاميّةُ منْذ نُشوئِهَا وتكَوُّنها عَن التَّفاعُلِ مَعَ الحَضَاراتِ الأخْرَى، أَخْذًا وعطاءً وتأثُّرًا وتأثيرًا».

إعمَار العُقُولِ

وتابع سعادته: «إذَا كَانَت ثقافَتُنَا عَلَى امْتدَادِ تَاريخِنَا الإِسْلاَمِي مَبْنيّةً عَلَى إِسْهَامِ العُلَمَاءِ الذِينَ أصْبَحُوا أعْلاَمًا منْ أَعْلاَمِ الحَضَارةِ الإنْسَانيّةِ، فَإنّنَا نُدْرِكُ أنَّنا اسْتفَدْنَا مِنْ ثقافَاتِ الأُمَمِ الأخْرَى، فبُنيَ التَّنوُّعُ الثَّقافِي مِنْ تَفَاعُلِ العَلاَقةِ مَعَ الآخَر، حَتَّى أصْبَحَ التَّنوُّعُ مِيزَةً لثقافَتِنَا وَقيمةً جَدِيرَةً بالعِنَايةِ والتَّطويرِ، ونسعى اليومَ إلى تجديدِ طاقَاتِنَا في جميعِ مَجالاتِ الثَّقافةِ لنسْتأنِفَ إسْهامَنَا الحَضَارِي، وستكُونُ الدَّوحةُ لهذَا العَامِ، فَضَاءً ثقافيًّا زاخرًا بإمْكَاناتِ الفِعلِ الثَّقافي وَمِرْآةً للتَّنوُّعِ والحِوَارِ مَعَ الآخَرِ وَشَاهِدًا أيْضًا عَلَى ثَرَاءِ الثَّقافَةِ المحَليّةِ ودَوْرِ قَطر فِي تعْزيزِ الثَّقافَةِ في العَالمِ الإسْلاَمِي، موضحًا: فلنعْملْ منْ أجْلِ أنْ تنْعَمَ الأجْيالُ القَادمةُ بمزيدٍ منَ الكَرَامةِ الإنْسَانيَّةِ ومزيدٍ من اتِّساعِ سبُلِ الإبدَاعِ، ومزيدٍ منَ التعارفِ لتَكُونَ الثَّقافة أفُقًا للحِوارِ والعمَلِ المُشْترك في سبيلِ «إعمَارِ العُقُولِ» وبناءِ وعيٍ جديدٍ بمُستقْبلِ الإِنسانيّةِ.

عَرَاقَة وتاريخ

من جانبه هنأ الدكتور سالم بن محمد المالك -المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» دولة قطر ممثلة بوزارة الثقافة والرياضة على هذا الاختيارِ الذي يُجَسِّدُ اعْتِرَافًا للدَّوْحَةِ بما لها مِنْ عَرَاقَةٍ وتاريخ. آملًا من الله أن يُتَوَّجَ هذا الاحتفاءَ بالفَرادة والتَّمَيُّز ضمن برنامج عواصم الثقافة، دالا على الجهود الكبيرة التي قامت بها الحكومة القطرية من الإعداد وإقامة التجهيزات الثقافية وإطلاقِ طاقات الإبداع الثقافي لدى الشباب والمبدعين. وأضاف: إنَّ توجيهَ بَوْصَلَةِ اهتمامِنا نحو جَعْلِ مُدُنِنَا عواصِمَ ثقافيةً هو تحوُّلٌ في الذِّهْنِيَّاتِ وَوَعْيٌ بأهميةِ الرَّأْسمالِ الثقافي. إنَّ اختيارَ عاصمةٍ ثقافيةٍ يَهدِفُ إلى تَوسيعِ الحُدودِ لكلِّ دَولةٍ مِنْ دُوَلِنَا لِتُمثِّلَنَا جميعًا. كما أشار أنه منذ إطلاق مُنظمةِ الإيسيسكو برنامجَ عواصمِ الثقافةِ في العالمِ الإسلامي سنةَ 2005، انْتَجَعَتْ خيمةُ الثقافة في خمسينَ (50) عاصمةً ثقافيةً، تم التعرف من خلالِها على غِنَى ثَقافاتِ الدول الأعضاءِ بالمنظمة، والإحساس بِعُمْقِ الانتماء إلى الحضارة الإسلامية العظيمة. وأردف قائلًا: ضمنَ هذا الأُفُقِ الإنساني، حَطَّتْ قَافلَةُ الثَّقافةِ هذا العامَ في أَفَياءِ الدَّوْحَةِ الفَيْحَاءِ، لِتَسْتَظِلَّ في أَكْنَافِهَا من لَفْحِ رياحِ أزمةٍ وبائيةٍ نَكْبَاء، اعترافًا بِرَصِيدِها الثقافي ومُساهَمَتِهَا الحضارية، وشَهادةً على عَراقَتِهَا وَأَصالَةِ شَعْبِهَا، ومن هذه الذَّاكرَةِ الثقافيةِ تَمْتَحُ الدَّوْحَةُ سِرَّ وُجودِها واستمرارَ عطائِها باسطةً أغصانَها نحو المستقبل. وفي هذه المناسبةِ، تعتزمُ المنظمةُ المشاركةَ في تنفيذِ البرنامَجِ العَامِّ لاحتفاليةِ الدَّوْحَةِ.

متحف الفن الإسلامي

من جهته قال سالم عبدالله الأسود نائب مدير متحف الفن الإسلامي ومدير التعليم وتوعية المجتمع: إن اختيار الدوحة عاصمة للثقافة الإسلامية هو شهادة على جهود متاحف قطر المستمرة في تحويل دولة قطر إلى عاصمة ثقافية للشرق الأوسط، إذ تقدم متاحف قطر تجارب ثقافية أصيلة وملهمة وبرامج تعليمية فريدة من خلال شبكة متنامية من المتاحف، والمواقع الأثرية والتراثية، والمهرجانات وأعمال الفن العام. وأضاف: يُعد متحف الفن الإسلامي مساهمًا جوهريًا في تحقيق تلك الأهداف من خلال تولي مهمة تسليط الضوء على الحضارة، وجمع مقتنيات الفن الإسلامي وحمايتها، وتقديمها في معارض استثنائية، إذ يحتوي المتحف على مجموعة واسعة من قطع الفن الإسلامي الممتدة على مدار 1400 عام، بالإضافة إلى تنظيم أنشطة تعليمية لتعريف جميع الشرائح العمرية للمجتمع بمجموعته. وتابع أنه احتفالًا باختيار الدوحة عاصمة للثقافة الإسلامية تم إعداد برنامج ثري يمتد على كامل العام، ويشمل فعاليات مدرسية، وترويجية، وورشًا فنية، ورحلات ثقافية وفنية، وندوات عبر الإنترنت، ومسابقات فنية تهدف إلى التعريف والاحتفاء بالإرث الإسلامي.

فقرات فنية

وخلال حلقة الانطلاقة يوم أمس ألقى الشاعر العماني جمال الملا الحاصل على لقب «شاعر الرسول»، صلى الله عليه وسلم، قصيدة بهذه المناسبة تتمثل في معنى ثقافتنا نور، وبمشاركته المتنوعة تغنى الفنان القطري فهد الكبيسي في الحفل بأغنية «أحبك يا قدس» وهي من كلمات الشاعر هارون هاشم رشيد وألحان الموسيقار القطري الراحل عبدالعزيز ناصر، كما تغنى الكبيسي كذلك بقصيدة «جادك الغيث» وهي موشحة أندلسية من تأليف العلامة الشاعر لسان الدين ابن الخطيب، وقد نسجت على منوال موشحة ابن سهل شاعر إشبيلية وسبتة من بعدها.

يوم المرأة العالمي

وفي إطار الاحتفاء بالدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي، وإعلان الإيسيسكو عام 2021 عامًا للمرأة، وتماشيًا مع جهود دولة قطر لتمكين المرأة وتوفير البيئة التي من شأنها أن تعزز حقوقها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فقد أعلنت منظمة الإيسيسكو أنها ستكرس عام 2021 للاحتفاء بالمرأة، تحت شعار «النساء والمستقبل» وتحت عنوان «رفع الوعي بدور المرأة في صناعة مستقبل مستدام». وكما هو معروف لقد احتلت المرأة دورًا بارزًا في دولة قطر حيث أصبحت في أعلى المناصب الإدارية والعلمية وقامت بجهد فاعل من خلال مساهمتها في شتى المجالات داخل المجتمع القطري وخارجه، يأتي ذلك تحت التوجيهات الكريمة لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى.

ثقافتنا نور

واختير شعار «ثقافتنا نور» ليكون رمزًا للدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لعام 2021، إيمانًا بأن لكلّ أمّة ثقافة تميّزها عن غيرها، والثقافة الإسلاميّة قيمة أصيلة لها فرادتها ضمن ثقافات العالم، فهي نابضة بالحياة ما دامت تستلهم جوهرها من القيم الإسلامية الخالدة التي أخرجت الإنسانيّة من الظلام إلى النور ووهبت الإنسان العلم والكرامة، وسارت عبر القرون في نموٍّ وتطوّر فتفاعلت مع غيرها وأثّرت وتأثّرت لتبني العقل والوجدان لتحقيق العمران، وإذا ازدهرت الثقافة فإنّها تُثمر ازدهارًا للأمة وإن كانت في تراجع فإنّها سريعًا ما تؤدّي إلى انحطاطها وتخلّفها عن مشاركة الإنسانيّة في الإبداع الكوني، لذلك فإنّ الثقافة الإسلاميّة تعبّر عن الفنون والآداب والتراث الثقافي للأمّة باعتبارها رافعة القيم ورهانًا دائمًا لكلّ الأجيال المسلمة التي تعمل على المحافظة على قِيَمها الأصيلة، وتسعى إلى تجديد إبداعها الحضاري، مثلما نجحت الثقافة الإسلامية سابقًا في استيعاب ثقافات مختلفة عبر العصور، لتكوّن من تنوّعها وحدة أصيلة تنسجم مع المصادر الأساسيّة لهذه الثقافة، فقد حان لها اليوم أن تستعيد محرّكاتها القيميّة لتبدع من جديد، وتفكّر في المستقبل قدر تفكيرها في الماضي والحاضر لتبلّغ جوهر رسالتها الخالدة.

برنامج الاستضافة

ويتضمن برنامج الاستضافة إعداد أكثر من 70 فعالية متنوعة خلال العام الجاري لتعكس التصورات الكبرى للاستضافة وللدولة بصفة عامة، وتحمل في طياتها الكثير من التحديات في ظل ظروف صحية راهنة لم تمنع الدوحة، صاحبة التاريخ العريق في رفع شعار التحديات داخليًا وخارجيًا، من مواصلة العمل وإنجاز الوعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى