أول طلة

إبراهيم خليل الجيدة
Latest posts by إبراهيم خليل الجيدة (see all)

كعهدنا مع القراء، نواصل الرسالة الثقافية لنادينا العريق، وقد خطونا الخطوة الأولى في حلم «كتاب الجسرة»، إذ صدر الكتاب الأول من السلسلة بعنوان «كتاب الانفعالات» للفيلسوف الإيطالي أومبرتو جاليمرتي في ترجمة لنجلاء والي صاحبة الرصيد الوافر من الترجمة عن الإيطالية وإليها، والتي تُدرِّس الأدب العربي في جامعة تورينو. وسعادتنا بهذا الكتاب بالغة، فهو من أحدث الإصدارات في المكتبة الأوربية، كما أنه يتعلق بموضوع راهن هو الانفعالات والأحاسيس الي تتعرض للتدهور مع التوسع في وسائل التواصل عن بعد، والتعليم عن بعد.
نعرف أننا لا يمكن أن نعيش كأفراد دون مشاعر، وإلَّا تحولنا إلى آلات، لكن جاليمرتي الذي يُبحر بنا في عالم الفلسفة منذ أفلاطون إلى اليوم ينبهنا إلى أن المشاعر ضرورية كذلك لحياة الجماعات البشرية والشعوب وليس لحياة الفرد فقط، وأن المشاعر كانت مسؤولة عن استمرار الحضارة البشرية مثلها مثل العقل سواء بسواء، فهي التي قدمت الدوافع للحركة والعمل والدفاع عن الأوطان.
وما تتعرض له المشاعر في عالم التواصل الاجتماعي والتعليم عن بعد خطير، فهو يفتح الباب للزيف والتمثيل، ويجعلنا نحاول الظهور بالصورة الجذابة، أو التي نرى أنها جذابة بصرف النظر عن حالتنا الطبيعية. وبالمثل، يتوسع الكاتب في الحديث عن التعليم عن بُعد ومضاره، وأكبرها خطرًا إسقاط وظيفة التربية الي كانت تسبق وظيفة التعليم في وصف العملية التعليمية؛ لأن عدم اللقاء مع المعلم والتلاميذ الآخرين في حيز مكاني واحد يحرم التلميذ من فرص التربية وآداب التعامل مع الآخرين.
لا يمكن تقديم الكتاب في هذه العجالة، لكن سعادتنا بالغة بإنجاز أحد وعودنا، أما عن هذا العدد من مجلتكم «الجسرة الثقافية» فهو وجبة ثقافية دسمة ومشوقة.
يبحر بنا الملف الأساسي حول الجسر كمنشأة لوصل المقطوع، وكمفهوم ثقافي وفلسفي واسع حول معنى الاتصال واللقاء بالآخر، تطوف بنا مقالات عدد من خيرة الكتاب العرب في الفلسفة والأدب والفكر والعمارة والسينما، وكلهم أعلام في مجالاتهم يقرؤون تجليات الجسر ومعانيه. وما دام الجسر على هذه الدرجة من الأهمية فهناك الكثير من القصص الواقعية الي قامت فيها الجسور بدور محوري خاصة في الحروب، وهناك الكثير جدًّا من القصص الأدبية والروايات والأفلام التي يقوم فيها الجسر بدور محوري.
نسعى من خلال هذه الملفات المتنوعة إلى إثبات أن الثقافة مفهوم واسع، يتسع لكل شيء في الحياة، وأن كل ما نراه بسيطًا حولنا له أعماقه وجمالياته، ويمكن تحقيق الفائدة والمتعة الثقافية بالقراءة حوله.
وضمن أبواب المجلة المختلفة، نحاول ما استطعنا إلقاء الضوء على المنتجين الثقافيين في دولة قطر ومنطقة الخليج العربي، بما يتوازى مع التقدم الذي يحققه مبدعونا في مجالات الإبداع المختلفة، والمكانة التي بدؤوا يحتلونها ضمن خريطة الإبداع العربي، الذي تتمسك «الجسرة الثقافية» بأنه بستان واحد، تتعدد ثماره، وتتعدد مذاقاته.

افتتاحية العدد (61) من مجلة «الجسرة الثقافية»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى