معرض القاهرة للكتاب والدولار وباخوس!

هذا موسم التصريحات والأحاديث التي تسعى الصحافة للحصول عليها من الكُتاب والمثقفين عن آرائهم في المعرض وحركة البيع وأسعار الكتب والندوات وغير ذلك كثير. في كل تصريحاتي كان تركيزي على شيء واحد وهو أملي أن يكون لفلسطين وغزة وما يحدث فيها من مجازر بشعة من الصهاينة، مكان واضح وبارز أقله قاعة ندوات خاصة بفلسطين وإمكانية إيجاد شاشات تلفزيونية في الطرق بين قاعات عرض وبيع الكتب، عليها صور شعراء وأدباء من فلسطين، ومقاطع من أشعارهم تتالى على الشاشة يمكن أن تجذب الزائر إلى الوقوف أمامها لحظات، ومع تنوع الزوار سيراها مئات الآلاف منهم. لم أدلِ برأي سلبي في إدارة المعرض لأني أعرف أن من يشرفون عليه من هيئة الكتاب المصرية يبذلون أقصى ما لديهم كل عام لإنجاح المعرض. اعتذرت عن عدم حضور أي ندوة أو فاعلية لسبب بسيط أني أسكن بعيدا جدا عن المعرض في مكانه الجديد منذ سنوات، وصحتي لا تساعدني على الذهاب إلا مرة واحدة لإحضار بعض نسخ من رواية جديدة أو كتاب جديد سيصدر لي. انتهى زمن الحضور اليومي لمن هم مثلي وليس هذا عيبا في المعرض لكنه العمر وحكم السنين. لديَّ من الذكريات الجميلة الكثير خاصة وقد كنت أحد المشرفين على نشاط المقهى الثقافي لأكثر من عشر سنوات منذ نهاية الثمانينيات حتى عام 2000 حين ابتعدت عن كل عمل ثقافي تاركا الفرصة لأجيال جديدة. كان ذلك وقت رئاسة فاروق حسني لوزارة الثقافة وسمير سرحان لهيئة الكتاب وكانت أجمل الأيام. حتى لقاءاتنا مع حسني مبارك كانت ذات أهمية كبيرة، لكن للأسف لم يكن التلفزيون يعرض منها غير الأسئلة الشخصية لبعض المثقفين وتجاوب حسني مبارك معها، مما صَوَّر المثقفين كمجموعة انتهازية لا علاقة لهم بالواقع حولهم وكان هذا غريبا جدا، فاللقاءات كانت حافلة بالنقاش الجاد في كل قضايا مصر والوطن العربي. كثير جدا من الذكريات كتبتها في كتابي «الأيام الحلوة فقط». ما أتمناه هذا العام في المعرض هو أن تنفتح حفلات توقيع الكتب لتكون في دور النشر نفسها، فالسائد منذ تم نقل المعرض إلى مكانه البعيد في منطقة التجمع الخامس هو تخصيص قاعة لحفلات التوقيع مدفوعة الثمن، بينما كانت في مكانه السابق بمنطقة العباسية، تقام في دور النشر نفسها ودون مقابل، فكل دار نشر في قاعة بها عشرات من دور النشر، ومن ثم فرصة اهتمام الجمهور العام أكثر، ولا يكون الأمر مقصورا على من يعرف الكاتب فيذهب إلى قاعة التوقيع. ترك حفلات التوقيع في دور النشر أمر أجمل وأكثر تأثيرا رغم ما نراه من زحام في قاعة التوقيع. كما أن إتاحة ذلك بالمجان أمر طبيعي جدا في بلد مثل مصر تعاني من ظروف اقتصادية، ومع كتاب جدد يتمنون مثل هذه الحفلات لكن قد لا يتشجع الناشر لدفع المقابل المطلوب. الظروف الاقتصادية للبلاد التي تجعلني أتذكر حضوري أول معرض تمت إقامته عام 1969 قادما من الإسكندرية معي سبعة جنيهات، وعدت بعشرات الكتب، بينما السبعة جنيهات الآن لا تكفي ثمن تذكرة المترو إلى المعرض أو قريبا منه. أعرف والله ما جرى وسأبتعد عنه وأكرر طلبي بحضور كبير لفلسطين وبجعل حفلات التوقيع في دور النشر نفسها وبالمجان، فلا يقتصر الأمر على المشاهير. هذا أمر يمكن فعله دون انتظار لدراسة حتى مع بدء المعرض. أما أسعار الكتب فلنا الله، ما دام الدولار يقف أعلى جبل الأوليمب مع باخوس ويضحك.

** المصدر: جريدة “الشرق”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى