حوارات صحفية ولكن..

منذ أسبوعين أو أكثر وهاتفي لا يتوقف عن الرنين، والرسائل لا تتوقف على «الواتس آب» أو غيره حول ما يحدث من تحويل روايتي «عتبات البهجة» إلى مسلسل تليفزيوني سيعرض في رمضان القادم، من انتاج شركة العدل جروب والشركة المتحدة، ومن إخراج مجدي أبو عميرة، وتمثيل يحيى الفخراني، وكتب السيناريو مدحت العدل. تعودت على الأسئلة لكني لم استطع الهروب منها، لأني أعرف أن الصحفيين الذين يسألون وأكثرهم شباب، يؤدون عملهم، وأشعر أنه من الواجب أن أجيب. السؤال الذي يتكرر دائما ما هو شعورك بعد أن علمت بتحويل روايتك إلى مسلسل. سؤال دائما اسمعه ويسمعه غيري حين أفوز بجائزة أو تكريم، وإجابتي دائما أني سعيد طبعا. لكن تتداعى اسئلة فنية من نوع ما رأيك في السيناريو، وما رأيك في اختيار الممثلين، وهل أخذوا رأيك في السيناريو أو ترشيح الممثلين، وهل سيلتزمون بالرواية؟ اسئلة كثيرة تشغل الصحافة دائما وأحيانا النقد السينمائي نفسه. أكرر في كل مرة موقفي الفكري الذي لا أحيد عنه، وكتبت عنه كثيرا جدا منذ سنوات طويلة، وجمعت مقالاتي عن ذلك في كتابي أنا والسينما، وهو أن المقارنة بين الفيلم أو المسلسل والرواية شيقة بعد أن يخرج الفيلم أو المسلسل إلى النور، لكن لا يعني هذا أن أقرر أيهما أفضل، فهنا الفخ الغائب عن الجميع. فالرواية أو العمل الأدبي لغة، بينما الفيلم أو المسلسل صورة، ولكل طرق لتجلياتها. في الرواية قد تتعدد الشخصيات لكن السيناريو قد يجمعها كلها في شخصيتين بينهما تناقض أو صداقة تصنع دراما بينهم، أو مع الآخرين. في الرواية حرية أكثر، فلا رقابة يشعر بها الكاتب وهو يكتب أو يهتم بها. وإذا حدث أن اعتذر ناشر عن نشر الرواية فيمكن أن ينشرها صاحبها عند غيره أو خارج البلاد، بينما السينما في بلادنا تخضع لرقابة تتغير مع الزمن، وقد تزيد أو تنقص. في الرواية مثلا قد يتكون هناك مشاهد حميمة أو آراء سياسية لا تسمح بها الرقابة السينمائية. وهكذا فالعمل السينمائي ليس ملكا لأصحابه وحدهم، ومن ثم فالأمر لا يتوقف فقط عند موهبة ومهارة كاتب السيناريو أو صُنّاعه وحدهم.
تفاصيل كثيرة يمكن أن توضح الفارق بين العملين الأدبي والسينمائي، لكن أهم ما أشير إليه أن المناقشة الأجمل للفيلم أو المسلسل لا تكون بالمقارنة بالرواية، لكن بمناقشة تقنيات العمل الفني نفسه، وأساليب تجسيده من تصوير وحوار وموسيقى وتمثيل وغيره. مع الرواية هناك أفلام أقل جودة، وأفلام أكثر جودة عند المتلقي، لكن في النهاية يبقى الفيلم في ذاكرة السينما، والرواية في ذاكرة الأدب.
السؤال الأهم الغائب هو لماذا تأخرنا في الحقل السينمائي أو التليفزيوني الآن، فلا ننتج غير حوالي خمسة عشر فيلما معظمها يدور بين البلطجية والعشوائيات، والأمر نفسه في المسلسلات، باستثناء فيلم أو مسلسل. لماذا ابتعدت السينما والمسلسلات عن الرواية، وفي مصر فيض من الروايات الجميلة التي يمكن أن تعيد الفن السينمائي إلى أمجاده، التي جعلت من مصر يوما هوليوود الشرق. أي مقارنة بين حال السينما الآن ومنذ عشر سنوات للأسف محزنة. والمقارنة لو بينها الآن ومنذ عشرين سنة أكثر حزنا. ولو بينها الآن ومنذ ثلاثين أو أربعين أو خمسين سنة فهي تؤدي إلى اليأس. اتمنى أن يكون هذا هو سؤال الصحافة، وأتمنى أن تعود السينما إلى الرواية التي قامت أصلا عليها، فقوتنا التي تسمى الناعمة هي بوابة العالم التي كانت يوما لنا.

المصدر: جريدة”الشرق” 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى