نبضات.. السعداوي

برحيله خسرت الحركةُ الفنيةُ فنانًا ساهم بدور تنويري في إطار فن المسرح في وطنه الأم، وفي قطر، وفي إمارة الشارقة، في أي مكان كان يحلُّ فيه كان ينثر إبداعاته، مؤلفًا، ومُمثلًا، ومُخرجًا، وعاشقًا لخشبة المسرح. كان هذا المُبدع حقًا نموذجًا مُنفردًا، مهمومًا بالمسرح عبر جُل مناطق الخليج، لم يكن مثلًا يتوقف أمام الصعاب أو ينهزم، بل كان عبر المُتاح والمُمكن يواصل رسالته. ومع هذا فقد كان قانعًا بحياته. في شوارع القاهرة في أيام مِهرجان المسرح التجريبي. كان كأحد مجاذيب القاهرة بلباسه. أو دراويش الحُسين، وكان يُثير الضحك مع رفقاء الدرب.
كنت أرسل له تحياتي عبر ابني فيصل في كل زيارة له للبحرين، وكان عنوانه معروفًا، نعم مسكنه ومقره فرقة الصواري. الفرقة التي ساهم في إيجادها. كما ساهم ذات يوم مع غانم السليطي وسالم ماجد وفالح فايز وعبدالله اليعربي في إيجاد فرقة السد في قطر.
رحلة عبدالله السعداوي تمتد في عمر الزمن. وإذا كان الزمن قد غفل عنه فترة من عمر الزمن فلا يمكن أن ينساه، أعتقد أن رفقاء الدرب وتلاميذه سوف يُحيون سيرته عبر شكل مسرحي. يخلق الجدة والتجريب في إطار المسرح. هذا الحُلْم الذي عاشه هذا الفنان، وأضع هذا الأمر في يد الفنان القدير خالد الرويعي، فإن المرحوم يستحق الكثير، أمثاله نادرون، ارتبطوا بالمسرح، فيما مضى كان عوني كدوحي، ومن ثم عبدالرحمن عرنوس، وأخيرًا اكتملت الصورة برحيل عبدالله السعداوي.
أحلام هذا المسرحي الخليجي وطموحه، أن يُقدّم مسرحنا للآخر.. كيف لا؟، وهو واحد من أنجز صنّاع المسرح والمُتفانين عشقًا وحبًا في المسرح دون انتظار لما يحمله المسرح إليه من فوائد، المسرح يُشكل له الأسرة، والأولاد والثروة والجاه، وكل شيء، امتدت ظلاله هنا وهناك، يُلبّي نداء الخشبة، في دلمون أو عبر المدن في الساحل المواجهة لأرض الخلود، تعددت تجارِبه، بين رؤية رفقاء الدرب مثل «جمال صقر» في البدايات الأولى، أو تجرِبته مع رفيق الدرب في الجاثوم. كانت أرض الله واسعة وكان الارتحال إلا في سنواته الأخيرة، هل تعب بعد ستة عقود من عمر الزمن؟!
أعتقد أن أمثاله لا يفقدون أحلامهم. يواصلون العطاء، وهذا ما جعله يحصد كأول خليجي أهم جائزة عربية في مهرجان المسرح التجريبي.
رحل السعداوي، كتلة المشاعر الإنسانية، التعاون، والتواضع الجم.. هو باقٍ في ذاكرة الجميع، أمثاله لا يموتون. ولا يرحلون، يعيشون في الذاكرة، وفي ذاكرة المُريدين، يكفي أنه ترك في كل مكان عددًا من التلاميذ يواصلون ما بدأه، قد يُحققون ما لم يستطع أن يُحققه في رحلته القصيرة في الحياة، وبرحيله.. نعم برحيل السعداوي خسرنا مُعلمًا، وخسرت الحركةُ الخليجيةُ رائدًا من روّاد التجريب في إطار المسرح وعاشقًا لأعظم الفنون – المسرح.

hrasheed@al-rwaq.com

**المصدر: جريدة”الراية” 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى