محمد الموجي.. الملك المتوج على عرش الأغنية الرومانسية

تمنى أن يكون مطربًا فغنى بحنجرة عبدالحليم حافظ ثم أقسم ألا يلحن للعندليب!

هو أحد أعلام صناعة الغناء العربي الأصيل، منح الأغنية العربية عصارة موهبته الفطرية وجماليات فنه وإبداعه، وعلى امتداد نصف قرن استطاع الجمع في ألحانه بين الأصالة والتجديد، وهو أحد أهم أعمدة التجديد في الموسيقى العربية في النصف الثاني من القرن العشرين،

 كان الموسيقار محمد الموجي ملحنًا عبقريًا له بصمته الخاصة في الجمع بين القديم الرصين والجديد المتطور، كما أنه كان مطربًا متميزًا له أسلوبه الخاص في الغناء، وعازفًا باهرًا على آلة العود، أثرى المكتبة المسموعة والمرئية بأيقونات صدحت بها حناجر كبار نجوم الغناء العربي، وفي المقدمة منهم كوكب الشرق أم كلثوم والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ.

بدأ المسيقار الكبير محمد الموجي حياته مطربًا وتمنى أن يجمع بين التلحين والغناء أسوة بمثله الأعلى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، ولكنه تخلى عن تحقيق حلم الغناء، عندما وجد ضالته المنشودة في حنجؤة عبدالحليم حافظ، فاكتفى بأن يغني من خلال حنجرته، وبلغ قمة التوهج عندما امتزجت ألحانه البديعة بنبرات صوت العندليب الأسمر، فكان رفيق دربه من البداية وشريك نجاحاته، منذ أغنية «صافيني مرة» التي عرفهما الجمهور بها في أوائل خمسينات القرن الماضي، وحتى قصيدة «قارئة الفنجان» آخر ما غنى عبدالحليم عام 1976.

جواهرجي النغم:

كان الموجي يحرص على صياغة إبداعاته اللحنية، لتوظيفها لخدمة الأصوات التي تعامل معها، فلحن لمعظم نجوم الغناء العربي من المطربين والمطربات مئات الألحان البديعة، التي تغنى بها الشارع العربي من المحيط إلى الخليج، منها على سبيل المثال: «للصبر حدود» أم كلثوم ـ «جبار» عبد الحليم حافظ ـ «أكدب عليك» وردة ـ «أنا قلبي إليك ميال» فايزة أحمد ـ «عيون القلب» نجاة ـ «غاب القمر» شادية ـ «أكتب لك جوابات» ليلى مراد ـ «والله واتجمعنا» صباح ـ «يا أغلى اسم فى الوجود» نجاح سلام ـ «اعطف يا جميل» محمد عبد المطلب ـ «يا حلو صبح» محمد قنديل ـ «م العين دي حبة» محمد رشدي ـ «يا ابو الطاقية الشبيكة» حورية حسن ـ «رمش عينه» محرم فؤاد ـ «جانا الفرح جانا» أحلام ـ «أمانة ما تسهرني يا بكرة» شريفة فاضل ـ «بلغوه» ماهر العطار ـ «قد إيه حبيتك» مها صبري ـ «مش قادر أنسى» عادل مأمون ـ «يا حب إيه الظلم ده» أحمد سامي ـ «برج الجزيرة» عبد اللطيف التلباني ـ «حلوة يا دنيا» هاني شاكر ـ «يهديك يرضيك» عفاف راضي ـ «جبت قلب منين» ميادة الحناوي ـ «هو الحب لعبة» عزيزة جلال.

نشأته وتكوينه الفني:

محمد أمين محمد الموجي ولد في 4 مارس عام 1923، في بلدة بيلا التابعة لمحافظة كفر الشيخ بريف مصر، والده كان يعمل كاتبًا بمصلحة الأملاك الأميرية، وكان هاويًا للموسيقى ويجيد العزف على بعض الآلات الموسيقية، وكان عمه إبراهيم عاشقًا للغناء ويمتلك مكتبة موسيقية ضخمة لأساطين الطرب، في هذا الجو الفني نشأ محمد الموجي، وتفتحت أذناه على صوت فلاح يغني على الناي، وسماع أبيه وهو يعزف على آلات العود والقانون والكمان، فتعلق بالموسيقى والغناء منذ نعومة أظافره، وكان يمضي الساعات الطوال في الإستماع إلى إبداعات رواد التلحين والغناء، من خلال اسطوانات الجرامافون في منزل عمه، وبذلك تتلمذ وصقل موهبته على سماع أعمال أساطين التلحين والغناء: محمد عبد الرحيم المسلوب ـ عبده الحامولي ـ محمد عثمان ـ الشيخ سلامة حجازي ـ الشيخ سيد درويش ـ الشيخ أبو العلا محمد ـ الشيخ زكريا أحمد ـ محمد القصبجي ـ محمد عبد الوهاب ـ رياض السنباطي ـ أم كلثوم ـ وغيرهم، وهذه المدارس الغنائية الأصيلة هى التي شكلت وجدان محمد الموجي الذي لم يدرس الموسيقى.

الموجي ومحمد عبد الوهاب:

بالإضافة إلى عشقه لأغنيات محمد عبد الوهاب التي كان يسمعها من خلال الجرامافون في منزل عمه، كانت دور السينما في ثلاثينات القرن الماضي تعرض أفلام عبد الوهاب: الوردة البيضاء ـ دموع الحـب ـ يحيـا الحـب، وكان الموجي يحرص على مشاهدتها أكثر من مرة، مما زاده عشقًا وإعجابًا به، وكان يقلده في طريقة لبسه، ويقوم بعزف أغنياته على عود والده ويغنيها.

أمنية والد محمد الموجي:

رغم حـب الموجي الجارف للموسيقى إلا أن والده كان يتمنى له أن يصبح ناظرًا للزراعة، فالتحق بمدرسة الزراعة المتوسطة في شبين الكوم، ومن خلال الأنشطة الفنية بالمدرسة ظهرت مواهبه الفطرية في مجال الموسيقى والغناء، وكانت أولى تجاربه في مجال التلحين من خلال اشتراكه مع زملائه فى مسرحية «مجنون ليلى» لأمير الشعراء أحمد شوقي، حيث لحن وغني بيت شعر يقول «هلا هلا هيا إطوي الفلا طيا وقــرب الحيـــا»، ثم حصل على دبلوم الزراعة عام 1944 وعمل بالتل الكبير، وبعد عامين حقق أمنية والده وعين ناظرًا للزراعة في بلده (بيلا)، ثم عمل بالأوقاف الخصوصية الملكية في (إيتاي البارود)، وظل العود رفيقًا له طوال الوقت، يعزف عليه ويغني على نغماته لأصدقائه خلال أوقات الفراغ، وكان شغله الشاغل الغناء والتلحين.

رسوب الموجي فى امتحان الإذاعة:

سافر محمد الموجي إلى القاهرة عام 1948، وتقدم للامتحان أمام لجنة الاستماع بالإذاعة المصرية كمطرب وملحن، ورسب في الإمتحان لأنه يلحن ويغني بشكل جديد، وكان ضمن أعضاء اللجنة مصطفى بك رضا أحد مؤسسي نادي الموسيقى الشرقي (معهد الموسيقى العربية الآن)، وكان من المحافظين والمتعصبين للقديم، ويقف أمام كل ما هو جديد.

سفره للقاهرة وعمله بالملاهي الليلية:

لم ييأس محمد الموجي لرسوبه في امتحان الإذاعة، وقرر الاستمرار في تحقيق حلمه وشق طريقه في عالم الفن، فتقدم باستقالته من وظيفته التي يعيش من راتبها، وسافر إلى القاهرة للإقامة فيها بشكل دائم، وبدأ العمل في الملاهي الليلية بمساعدة صديقه الشاعر سمير محجوب، فعمل في كازينو صفية حلمي وهناك تفجرت موهبته فى التلحين، فأصبح سمير يكتب برنامج الليلة كاملًا والموجي يلحنه ويغنيه بمصاحبة عوده، ويقوم أيضًا بأداء بعض الأدوار الصغيرة كممثل، وانتقل بعد ذلك إلى ملهى البسفور في باب الحديد، وكان برنامجه حافلًا بالمطربين والمطربات الصييتة، بالإضافة إلى وجود فرقة موسيقية كبيرة، وجو السمع أفضل من كازينو صفيه حلمي، فقام بالغناء والتلحين للمطربين والمطربات بالكازينو، ومنهم المطربة زينب عبده أول من غنت طقطوقة «صافيني مرة» من كلمات سمير محجوب التي غناها فيما بعد عبد الحليم حافظ، ومع أن الموجي كان يتقاضى 15 جنيهًا شهريًا من إدارة كازينو البوسفور، إلا أنه أقنع والده بأن يعطيه مكافأة نهاية الخدمة، ليستأجر بها كازينو البوسفور ويديره لحسابه الخاص، ولم ينجح المشروع، فانتقل إلى كازينو الكواكب بعماد الدين.

رفضته لجنة الاستماع مطربًا واعتمدته ملحنًا:

تقدم  الموجي مرة أخرى للامتحان أمام لجنة الاستماع بالإذاعة، وفي هذه المرة رفضته اللجنة كمطرب واعتمدته ملحنًا، وأسندوا له ركن الأغاني الشعبية، وحظى محمد الموجي بتشجيع المايسترو محمد حسن الشجاعي مسئول الموسيقى والغناء بالإذاعة في ذلك الوقت، فقام بالتلحين للعديد من الأصوات منهم: فتحية أحمد وملك ونجاة علي ولورد كاش ونازك، ومحمد عبد المطلب وعبده السروجي وإبراهيم حمودة ومحمد قنديل وكارم محمود وغيرهم.

محمد الموجي وعبدالحليم حافظ:

بينما كان يسير الموجي مع صديقه الشاعر سمير محجوب على كورنيش إمبابة، سمع صوت مطرب جديد يغني عبر أثير الإذاعة المصرية، فأعجب بهذا الصوت وانتظر حتى يعرف اسمه، وأعلن مذيع الراديو أن الذي غني قصيدة «لقـاء» للشاعر صلاح عبدالصبور وألحان كمال الطويل هو المطرب عبد الحليم حافظ، فتوجه إلى مبنى الإذاعة لمقابلة الإعلامي حافظ عبدالوهاب مسئوول البرامج الثقافية بالإذاعة، وعلم أنه متبنى هذا المطرب وأعطاه اسمه، فطلب منه أن يلحن له ووافق حافظ لإيمانه بموهبة الموجي، وكان أول لقاء يجمع بين محمد الموجي وعبد الحليم حافظ أغنية «يا تبر سايل بين شطين يا حلو يا اسمر» من كلمات سمير محجوب، وأيقن الموجي أن هذا المطرب يمثله ويعبر عنه بصدق، فقال في نفسه سأغني من خلال هذا الصوت، والتقت موهبة الموجي وموهبة عبد الحليم، وجمعتهما صداقة قوية، وغنى له حليم في البداية عدة أغنيات، من تأليف سمير محجوب منها: ظالم ـ بتقولي بكرة ـ يا مواعدني بكرة وغيرها.

انطلاقة الموجي وحليم مع ثورة يوليو:

غنى عبد الحليم حافظ في حفل مسرح الأندلس الشهير أغنية «صافيني مرة»، من كلمات سمير محجوب وألحان محمد الموجي، وذلك في يوم 23 يوليو عام 1953، وهو موعد الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 23 يوليو، فكانت الانطلاقة الأولى لهما، وبدأت مسيرتهما الفنية الناجحة معًا، وإذا كان كمال الطويل هو أول من لحن لعبد الحليم فإن الموجي كان أطول صحبة له، واستمر بجانبه طوال رحلته الفنية التي استمرت 25 عامًا.

ألحانه للعندليب الأسمر:

وصل عدد ألحان محمد الموجي لعبد الحليم حافظ أكثر من تسعين أغنية، ما بين عاطفية ووطنية ودينية ووصفية، من أشهرها: أحبـــــــك ـ أحضان الحبايب ـ اسبقني يا قلبي ـ جبـــــــار ـ حبــــك نــار ـ حبيبها لست وحدك ـ رسالة من تحت الماء ـ صافيني مرة ـ فيه ناس ـ قارئــة الفنجـان ـ كامـل الأوصاف ـ لفي البلاد يا صبية ـ النجمة مالت ع القمر ـ لو كنت يوم أنساك ـ الليـالــــــي ـ ليـه تشغل بالـك ـ مشغـول وحياتـك ـ مغـــــــرور ـ مين أنا ـ يا تبر سايل بين شطين ـ يـا قلبـي خبـي ـ  يـا مالكـا قلبـي ـ يا مواعدني بكرة ـ يابو قلب خالي ـ ياللي الهوى خالك وغيرها.

لماذا أقسم الموجي أن لا يلحن للعندليب:

دبت عدة خلافات بين محمد الموجي وعبد الحليم حافظ، وتسببت في المقاطعة بينهما لفترات من الزمن، وذلك رغم الصداقة الحميمة التي جمعتهما منذ بداية مشوارهما الفني معًا، وبدأت هذه الخلافات عندما طلب الموجي من منتجي السينما زيادة أجره عن التلحين، بما يتناسب مع زيادة أجر عبد الحليم الذي تدرج من 500 جنيهًا عن الفيلم إلى 14000 جنيه، ولم يوافق حليم على ذلك، فقال له الموجي (عليَّ الطلاق ما هلحن لك لمدة تلت سنين)، وبالفعل استمرت المقاطعة بينهما طوال هذه المدة، وانتهت بزيارة العندليب الأسمر لمنزل الموجي بالعباسية، وطلب من زوجتة أم أمين التوسط للصلح بينهما.

الموجي وأم كلثوم:

حقق الموجي نجاحًا كبيرًا كملحن مع عبد الحليم حافظ وفايزة أحمد، وأصبح تميمة نجاح لعدة أصوات أخرى، مما لفت أنظار كوكب الشرق إليه فاستدعته ليلحن لها، وذهب إليها وهو ينتفض من الخوف، فأم كلثوم التي غنت لكبار الملحنين زكريا أحمد ومحمد القصبجي ورياض السنباطي، والتي كان يحفظ أغنياتها ويغنيها في الصغر، ستجلس أمامه لتستمع إلى ألحانه لتغنيها، وكان هذا اختبارًا صعبًا له، لاحظت سيدة الغناء العربي بذكائها الحاد حالة الخوف والتوتر على وجه الموجي، فقالت له (اعتبر نفسك بتحفظ مها صبري أو شريفة فاضل)، وكانت هذه الكلمات بردًا وسلامًا على قلبه فانطلق يغني، وكانت تهز رأسها إعجابًا به وتشجيعًا له، وكان أول ما لحن لها «نشيد الجلاء» للشاعر أحمد رامي عام 1956، ثم «حانة الأقدار» و«الرضا والنور» و«يا صوت بلدنا» و«يا سلام ع الأمة» و «بالسلام إحنـا بدينـا» و «محلاك يا مصـري» و «للصبر حدود» وكان آخر ألحانه لها «إسال روحك» عام 1970.

دعمته كوكب الشرق كملحن ثم قدمته للمحاكمة:

في عام 1963 كلفت أم كلثوم الموجى بتلحين أغنية «للصبر حدود»، فأخذ كلمات الأغنية واختفى، وتركها وهى لا تعرف شيئًا عن اللحن الذي ستغنيه في حفلها القادم، طالت مدة الإختفاء مما أضطرها أن ترفع دعوى قضائية ضده، وذهب إلى المحكمة وسأله القاضى عن سبب تأخره في تلحين الأغنية، فأجابه (سيدى القاضى أحكم على بالتلحين)، فابتسم القاضى وفهم ما يقصده الموجى، فالإبداع لا يكون بحكم قضائى، وضحكت أم كلثوم وقالت له (عرفت أجيبك يا موجي)، فضحك وكأن شيئا لم يكن، وأنطلق في تلحين رائعته «للصبر حدود»، التي كانت من أجمل ألحانه لكوكب الشرق.

أسلوبه فى التلحين:

استوعب محمد الموجي جميع المدارس الغنائية التقليدية القديمة، بالإضافة إلى إبداعات من سبقوه من رواد التلحين الذين عاصرهم مثل: زكريا أحمد ومحمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وفريد الأطرش وأحمد صدقي ومحمود الشريف وغيرهم، وكان لبعضهم تأثير على اهتماماته الفنية، فتكونت شخصيته الفنية وتفرد بأسلوب خاص في التلحين، مما مكنه من الوصول إلى درجة عالية من التميز، وقد استخدم طرق وأساليب متطورة في التلحين من حيث: التعبير عن الكلمة بمشاعر وأحاسيس فياضة، والإنتقال مباشرةً من مقام موسيقي إلى آخر، والتنوع في استخدام الإيقاعات، والإهتمام بالصياغة الموسيقية المحكمة للعمل الفني، والمقدمة الموسيقية والفواصل الموسيقية الثرية التي تتخلل الغناء، وقد اتبع المدرسة التعبيرية التي يخرج من خلالها التطريب، ومزج بين الأساليب الشرقية والغربية في ألحانه الأصيلة المتطورة، وساعده على ذلك كونه ملحنًا ومطربًا وعازفًا على آلة العود، ونجح الموجي مع عبد الحليم حافظ في إيجاد مدرسة جديدة في الأداء، وهما من أهم مبدعي جيل ثورة يوليو.

المطرب محمد الموجي:

كان الموجي منذ نشأته مطربًا وملحنًا، فهو صاحب صوت حساس ومعبر، وله أسلوبه الخاص في الغناء، ورغم تفرغه للتلحين إلا أنه غنى العديد من الأغنيات من ألحانه، منها «فنجان شاي» وهى أول أغنية تم تصويرها للتلفزيون المصري في بداياته، ثم غنى: النور موصول ـ مر هذا اليوم ـ يا حب إيه الظلم ده ـ يا غائبًا لا يغيب ـ زقزق العصفور ـ بالإضافة إلى العديد من الأدعية الدينية وإعادة غناء بعض الأغنيات التي لحنها لكبار النجوم منها: صافيني مرة ـ أنا قلبي إليك ميال ـ حانة الأقدار وغيرها. 

الموجي والقوالب الغنائية:

يعتبر الموجي الملك المتوج على عرش تلحين الأغنية الرومانسية، كما كان عاشقًا للشعر العربي، فبرع في صياغة ألحان العديد من القصائد العربية، وأكمل مسيرة تطوير قالب القصيدة، التي بدأها أساتذته محمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي، وتعد ألحانة لقصيدتي «رسالة من تحت الماء» و «قارئة الفنجان» للشاعر نزار قباني من أروع القصائد المتطورة في تاريخ الغناء العربي، كما أبدع في تلحين الأغنية الشعبية والسينمائية والدينية، وقالب المونولوج العاطفي وقالب الديالوج «الدويتو الغنائي»، كما برع في تلحين قالب الطقطوقة والأناشيد الوطنية، وتترات المسلسلات والفوازير، والعديد من الأوبريتات والمسرحيات الغنائية.

الموجي والسينما:

في عام 1957 استغل المخرج محمود ذو الفقار نجاح الموجي كملحن، وأسند له بطولة فيلمين، الأول «أنا وقلبي» أمام مريم فخر الدين وعماد حمدي، وغنى فيه أغنيتين، والثاني فيلم «رحلة غرامية» مع مريم فخر الدين وأحمد مظهر وشكري سرحان، وغنى فيه خمسة أغنيات، ثم ظهر في مشهد كملحن وهو يحفظ عادل مأمون في فيلم «العذاب الثلاثة»، وأول فيلم شارك فيه الموجي كملحن كان «قلبي يهواك» بطولة صباح التي لحن لها أغنيات 9 أفلام، وقام بالتلحين في جميع أفلام عبد الحليم حافظ، بالإضافة إلى تلحينه في أفلام: فايزة أحمد ـ شادية ـ نجاة ـ هدى سلطان ـ محمد قنديل ـ وردة ـ محرم فؤاد ـ سعاد حسني ـ هاني شاكر ـ عفاف راضي وغيرهم، كما لحن في أفلام «الشيماء» ـ «ملك التاكسي» ـ «النداهة» ـ «بنات بحري» وغيرها.

مدرسة محمد الموجي:

كان محمد الموجي مصنعًا للنجوم، وكانت ألحانه من أهم أسباب شهرة العديد من المطربين والمطربات، وهو الملحن الوحيد الذي افتتح مدرسة للأصوات الجديدة (مدرسة الموجي للأصوات) عام 1962، تخرج منها نجوم كبار في عالم الغناء، ولم تستمر تلك المدرسة لأن الدولة لم تدعمها ماديًا كما كان يأمل، والموجي هو صاحب اللحن الأول والإنطلاقة الأولى في حياة: عبد الحليم حافظ ـ فايزة أحمد ـ محرم فؤاد ـ عبد اللطيف التلباني ـ مها صبري ـ شريفة فاضل ـ كمال حسني ـ عادل مأمون ـ هاني شاكر وغيرهم، وكان لي عظيم الشرف أن أكون آخر إكتشافاته الفنية.  

عائلة الموجي:

(وراء كل عظيم إمرأة) هذه المقولة تنطبق تمامًا على السيدة/ فهيمة إبراهيم (أم أمين) زوجة محمد الموجي الأولى، وابنة خالته وابنة عمه في ذات الوقت، والتي كانت أكبر سند وعون له طوال رحلته الفنية منذ بدايتها وحتى رحيله، رغم أنه تزوج عليها ثماني مرات من مطربات وممثلات وراقصات، منهن الراقصة سميرة فتحي والمطربة أحلام والفنانة سعاد مكاوي والفنانة عايدة كامل والمطربة أميرة سالم.

أنجبت أم أمين من محمد الموجي ستة أبناء هم: أمين وألحان وأنغام، والملحن الموجي الصغير، والموزع الموسيقى يحيى الموجي، والدكتورة إلهام (غنوة) التي حصلت على درجة الماجستير عن «أسلوب محمد الموجي فى التلحين»، كما خصصت فصلًا من رسالة الدكتوراه عن المسرح الغنائي عند الموجي.

تكريم وجوائز:

كانت أول جائزة حصل عليها الموجي هى الميدالية البرونزية عن تلحين أغنية «إلى المعركة» غناء إبراهيم حمودة وأغنية «يا أغلى اسم في الوجود» غناء نجاح سلام عام 1956، ثم حصل على جائزة عيد العلم من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1965، ثم جائزة الجدارة ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1976 من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ثم حصل على جائزة الإبداع من جمعية (الساسم) بباريس للمؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى، وبعد وفاة الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1991 شغل الموجي منصب رئيس جمعية المؤلفين والملحنين في مصر حتى وفاته.

رحيل الموجي:

بعد فترة قصيرة من المرض أسلم الروح إلى بارئها في أول يوليو عام 1995، عن عمر يناهز 72 عامًا، ورحل عنا بالجسد بعد رحلة عطاء، لكنه موجود بإبداعاته التي تزخر بها المكتبة العربية المسموعة والمرئية.

 

مجلة الجسرة الثقافية – العدد 57 – شتاء 2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى