بابلو بيكاسو.. ماذا أضاف إلى الذاكرة الإنسانية؟

كأنه غواص في بحر مليء بالكنوز العجيبة، لا يعرف أحد سواه مكانها أو عمقها أو في أي كهف تخفّت

الذاكرة تؤسس لوعي الفرد بذاته، وبدونها يفقد كينونته، وكذلك الذاكرة الإنسانية، بدونها يضيع إدراكنا لوجودنا كبشر.
الذاكرة الإنسانية أشمل من مجموع ذاكرات الأمم والشعوب منذ وعى الإنسان وجوده على هذه الأرض، وإن احتوتهم واشتملت عليهم. العظماء والعباقرة من بني الإنسان هم الذين يثرون الذاكرة الإنسانية، فيضيفون إليها بمآثرهم ما يحييها، وبأمجادهم ما يمدها بزاد من اليقين، فيستنير الوعي البشري في رحلة بقائه وتطوره.
وقد ينهض رجل عظيم أو عبقري في أمة من الأمم فينهض بوعيها ويغني ذاكرتها بأفعاله أو أقواله، ويظل أثره ممتدًا بين أجيالها، أما عظماء الإنسانية وعباقرتها فنهضتهم بوعيها شاملة للإمم جمعاء، وأثرهم منسحب على الذاكرة الإنسانية بامتداد تاريخها.
فمثلًا، يبزغ نجم شاعر عظيم في أمة الباكستان أو أمة الإنجليز، ولكن يظل “محمد إقبال” و”وليام شكسبير” في المستوى الإنساني الأعمق من الذاكرة الإنسانية، وكذلك تدوم مكانة بابيلو بيكاسو في تلك الذاكرة وإن عاصره من أمته فنانون عظماء أمثال: “خوان ميرو” و”خوان جريس”.
فما الذي يدعونا إلى هذا التصنيف؟ ولماذا ينفرد بيكاسو وأمثاله بهذه المكانة؟
أجمع علماء النفس وعلماء الأعصاب الباحثون في طبيعة الوعي والسلوك البشري أن نفس الإنسان تبزغ وتتشكل تحت تأثير عاملين أساسيين هما: جيناته أو مورّثاته من ناحية، والبيئة التي ينشأ فيها ويتفاعل معها من ناحية أخرى، حتى أنه يمكن اعتبار هذين العاملين وجهان لعملة واحدة، يتفاعل أثرهما منذ نصبح أجنة في أرحام أمهاتنا، ولهذا لم يجانب الصواب رأي المترجمين لنوابغ البشر من أنهم أبناء بيئتهم كما أنهم أبناء من توارثوا جيناتهم.

بابلو بيكاسو

ولد بابيلو بياكسو عام ١٨٨١ لأسرة إسبانية في مدينة ملقة المطلة على ساحل البحر المتوسط في إسبانيا، ويعود اسم بيكاسو إلى أجداده من أمه؛ فقد كان والده “دون خوسيه رويز” رسامًا وأستاذًا للرسم وأمينًا لأحد المتاحف المحلية. وقد اهتم الأب بتنشئة ابنه الفنية لما لاحظه عليه من شغفه بالرسم وبراعته فيه منذ نعومة أظافره، حتى أن أولى كلماته التي نطق بها – طبقًا لما قالته أمه – هي “بيز بيز” وهي اختصار لكلمة “لابيز” وتعني بالإسبانية القلم الرصاص.
ومنذ سن السابعة تعلم بيكاسو على يد أبيه كيف يرسم ويلون بالزيت، لكن الأب كان معلمًا أكاديميًا ورسامًا تقليديًا يعتقد أن التمرين اللائق يستوجب محاكاة الأساتذة ورسم الجسم الآدمي يتطلب موديلات حية.
أما الابن فكان يستعد للإبحار في الفن إلى أعماق غير مسبوقة. وفي إحدى المرات وجد الأب ابنه يلون مخطوطًا لحمامة لم ينته الأب منه بعد، ولاحظ دقة الأسلوب الذي اتبعه ابنه ما أشعره بأنه قد تخطاه، فقرر أن يتخلى عن الرسم.
وانتقل بيكاسو مع عائلته إلى برشلونة بعد فاجعة وفاة أخته بالدفتريا وعمرها سبع سنوات. التحق بأكاديمية الفنون في برشلونة، ولكنه لم يكن طالبًا منضبطًا، كان يشعر بأن ما يعتمل في نفسه يتطلب طرقًا للتعبير تفوق ما يمكن أن يتعلمه من أساتذته، وظل طوال عمره مسوقًا بتلك الجذوة نحو عالم غامض، يجرب التعبير عنه بوسائل مدهشة تحير من يتأمل لوحاته، رغم ما تشعه في النفس من تحرر من قيود المألوف، تطلق العنان للإحساس بأنماط غريبة من الجمال، أحيانًا تختلط بالبهجة والشوق وأحيانًا يتسلل منها الحزن والخوف.
في سن السادسة عشرة، أرسله أبوه إلى أكاديمية الفنون بمدريد، وهي أرقى مدرسة للفنون في البلاد. فشعر الفنان الصغير بأنه قد أصبح حر نفسه، ولم يعر الدروس التقليدية التي تقدمها الأكاديمية اهتمامًا، بل توقف عن حضور فصولها ولم يمض على انضمامه إليها وقتًا طويلًا، لكنه وجد في مدريد ما جذبه إليها من لوحات “جويا”، و”فيلاسكيز” و”إلجريكو” الذي أعجب بأعماله منتبهًا لألوانه الأخاذة وتحرره في رسم أعضاء الجسد.
كان العبقري الصغير يقتفي من يؤكد شعوره العميق بأن الفن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحرية الفنان في التعبير شرط أن يكون صادقًا وملهمًا.
وهكذا أيضًا حفَّزه أسلوب “ماتيس” غير التقليدي -وهو في العشرينيات من عمره- على البحث عن أساليب ثورية جديدة في التعبير بالرسم.
من المرحلة الزرقاء إلى الوردية إلى التأثر بالفنون الإفريقية إلى التكعيبية إلى التكعيبية التحليلية إلى السريالية إلى الكلاسيكية الجديدة إلى ما شئت من مسميات، كلها في رأيي تعبير عن شئ واحد، ألا وهو روح المغامرة، والبحث الذي لا يهدأ أو يستقر حتى يتحقق التعبير الصادق عما يجيش في نفسه من انفعالات، وما تحركه قوة الحياة في كيانه من انفعال بها، ومن ثم التعبير عنها دون قيود أو حواجز.

كتالوج متحف بيكاسو – باريس

ولم يكن بيكاسو يجيب عمن يسأله: ماذا تقصد بتلك اللوحة؟ أو ما تعنيه بهذا اللون، لأنه تصور أنه قد أجاب عما سئل من خلال ما رسم؛ فالرسم هو لغته التي يفصح بها عن إدراكه العميق للوجود.
وبيكاسو لم يكن رسامًا فقط وإنما كان أيضًا نحاتًا ومصممًا لألواح الطباعة، ومصممًا للخزف والفخار، ومصممًا للمناظر المسرحية.
وكان يطوع ما بين يديه للتعبير عما يجيش في كيانه من شعور وما يصطخب في خياله من صور، وحتى الملصقات استخدمها في رحلته العبقرية وكأنه يخلب المادة بسحره في أي صورة كانت فتنقلب طوع بنانه، ليكتشف سر جمالها ويكشفه للعالم.
ومما يزيد الأمر دهشة لجوئه لفن الشعر حين توقف وهو في الثالثة والخمسين من عمره لفترة قصيرة عن الرسم والنحت فحاول تطويع الكلمة دون الشكل واللون، لتغرف من إحساسه العارم بالحياة، ثم لجأ إلى الكلمة يغنيها بعد أن نظمها أو يحاول ذلك قبل أن يعود لأحضان الفرشاة والإزميل من جديد.
وعلى امتداد سنوات عمره الذي ناهز واحدًا وتسعين عامًا، قضى معظمه في رحاب فنه، بلغ مجمل أعماله ما يقرب من خمسين ألف عمل فني بما فيها ١٨٨٥ لوحة زيتية و١٢٢٨ نحتًا و٢٨٨٠ عمل خزفي، ونحو ١٢٠٠٠ اسكتش أو رسم مخطوط وآلاف من أعمال الحفر والطباعة، والعديد من المزخرفات النسجية والسجاد.
وأمام كل هذا الكم الهائل من الإبداع والابتكار، يقف المرء مشدوهًا وكأن بيكاسو لم يتوقف عن الحركة والعمل يومًا، وكأن الحياة جندته تعبيرًا مستمرًا عن تدفقها وانسيابها وروعة جمالها بعد أن أهلته بجيناته، وما أحاطته به بيئته من أزمنة وأمكنة، وما عاصره من أحداث، وعرفه من بشر.
زرت عدة متاحف في أوروبا لمشاهدة أعمال بيكاسو؛ بعضها يضم مجموعة من لوحاته بشكل دائم، مثل متحف “بيرجروين” في برلين، ومتحف “البرتينا” في فيينا، وبعضها أقيم ليكون مركزًا ثقافيًا يعرض فنه المتنوع الخصب في شتى مراحل حياته الإبداعية من خلال مجموعات ضخمة من اللوحات والاسكتشات والأعمال النحتية والخزفيات وقوالب الطباعة والنسيج، مثل متحف بيكاسو في باريس ومتحفه في برشلونة. طبعًا حدث ذلك قبل زمن كورونا الذي وُضعت فيه القيود على السفر والإنتقال وأغلقت فيه المتاحف والمسارح وغيرها من نوافذ الفن، ولو إلى حين.
متحفه في باريس يحتوي على ما يزيد على خمسة آلاف عمل وعشرات الألوف من الأشياء الموثقة عنه، ومنها ٢٩٧ لوحة و٣٦٨ من أعمال النحت ونحو ١٧١٩ اسكتشًا و٩٢ كتابًا فنيًا وغيرها من أعمال الحفر، وآلاف الكتب والصور التي ضمتها مكتبته.
وبسبب هذه الثروة الهائلة من إرثه؛ بجودتها وضخامة مداها، يعتبر متحفه في باريس الوحيد في العالم الذي يشتمل فنه بمجمله ويسجل بدقة العملية الإبداعية في حياة هذا الفنان الفذ.
لا أنسى وقفتي مشدوهًا أمام لوحة “جورنيكا” المستنسخة على أحد جدران المتحف، ليس لضخامتها وقتامة ألوانها بل لهول العذاب الذي تعبر عنه، واللوعة التي اجتاحت الرسام ليقوم برسمها وما كلفته من معاناة. وينعكس كل ذلك في ضمير المتأمل كراهة للحرب ومآسيها، وهو ما قصده بيكاسو من تخليد مأساة “جورنيكا”؛ المدينة الصغيرة الواقعة في إقليم الباسك الإسباني.
في متحف برشلونة انتظرنا ساعتين ليسمح لنا بالدخول من شدة الزحام. المعرض يحتوي على آلاف الأعمال لبيكاسو ما يتحدى طاقة أي زائر لاستيعابها والتفاعل معها.
وهنالك، شاهدت لوحته الأصلية “الولد والحمامة” وهي من لوحاته المحببة لدي، ومن محل التذكارات الملحق بالمتحف اقتنيت ترجمة ضخمة لحياته بقلم الكاتب والروائي الإنجليزي الراحل “باتريك أوبريان”، صدرت عام ١٩٧٦ في خمسمائة صفحة. وفيها يغوص “أوبريان” في شخصية هذا العبقري الذي خاض غمار الفقر والعوز، ووعورة العيش باذلًا جهدًا خارقًا لا يتوقف في سبيل التعريف برؤيته للحياة من خلال ما يرسم.
وهنا نتساءل: هل كان موقف بيكاسو من الحرب مبعثه أيدولوجية فكرية أو نزعة سياسية، أم أنه موقف أخلاقي؟
في شبابه ظل عازفًا عن حركة استقلال قطلونيا رغم إعلانه تأييده وصداقته لنشطاء الحركة. وفي أثناء الحربين العالميتين: الأولى والثانية، وفي الحرب الأهلية الإسبانية، لم يلتحق بأي جيش أو يؤيد أي من الدول المتحاربة، ولكنه لم يتخل عن أداء واجبه إبان الحرب الأهلية حين كلف به من جانب الجمهوريين، فقدم الموارد المالية اللازمة لإخلاء محتويات المتحف ونقلها إلى جنيف، ثم عبَّر عن غضبه ورفضه للجنرال فرانكو والفاشيين من أتابعه بإبداعه مجموعة لوحات تحت عنوان “الحلم الكاذب لفرانكو” عام ١٩٣٧.
وقد اهتز ضميره بعدما علم بفظائع الحرب الكورية، فأبدع لوحته الشهيرة “مجزرة كوريا”. ولهذا نتصور أن بيكاسو لم يكن من ذوي الفكر السياسي الذي يسوق حياة المقتنعين به ويوجه أفعالهم، وحتى انضمامه للحزب الشيوعي الفرنسي عام ١٩٤٤ واعتبار نفسه شيوعيًا حتى موته عام ١٩٧٣؛ نراه رفضًا للواقع السياسي في عصره، وتحديًا لما يتوقعه الناس منه، فهو لم يقرأ سطرًا “لكارل ماركس” أو “فريدريش إنجلز”.

الكاتب أمام لوحة دورا مار، متحف بيكاسو – باريس

كان بيكاسو على قناعة تامة بأن فنه هو الذي يعبر عن كيانه ويعلن به رؤيته، للسلام والحرب، للحياة والموت.. للحب والكره.. ولقد أخلص له فنه كما أخلص هو له.
يقول “أوبريان” في كتابه هذا عن بيكاسو: ربما لاشأن للفن بالسياسة والأخلاق، ولكن من المؤكد أن له شأن كبير في التمييز بين الحقيقي والزائف.
وقد يختلط الفرق بين الحقيقة الجمالية والزيف بالفرق بين النور والظلام عند مستوى معين. وحين تعرض بيكاسو لمثل هذه القضايا فليس هناك شك في أنه مع أي جانب وقف.
كيف أمكنه أن يبدع هذا الكم الهائل من الأعمال الفنية المتنوعة والمتسمة بالأصالة والتفرد، كأنه غواص في بحر ملئ بالكنوز العجيبة، لا يعرف أحد سواه مكانها أو عمقها أو في أي كهف تخفت.
استخدم بيكاسو اللون في لوحاته كعنصر تعبيري، ولكنه اعتمد على خطوط الرسم ليبتكر الشكل والفراغ.
خلط الرمل بألوانه الزيتية في بعض الأحيان ليغير قوامها وملمسها، حتى أن بعض مؤرخي الفن يؤكدون استعماله الزيت المستخدم في طلاء حوائط المنازل في كثير من لوحاته.
استعمل ألواح الصاج والأسلاك في بناء تماثيله بدلًا من الخشب والشمع والفخار. هكذا كان منذ بداياته، مهتمًا بأي مادة سيبدع عمله من خلالها، فهو يغوص في كل شئ ويثور على كل المسلمات، يختبر حدود مادته كما تختبر المادة حدود عبقريته.
كما كان قادرًا وبشكل مذهل على الرسم بأنماط متعددة في الوقت ذاته، وقد فسَّر ذلك بقوله إن الأساليب المتعددة التي اتبعها في إبداعه الفني لا يجب اعتبارها مراحل تطور أو خطوات نحو الأنموذج المثالي المجهول للرسم، فإذا كانت الموضوعات التي أراد أن يعبر عنها قد أوحت له بأساليب مختلفة للتعبير ما تردد أبدا في تبنيها.
وهناك تصور شائع عن أن بيكاسو ابتكر أسلوبًا جديدًا في الرسم في كل مرة وقع فيها في حب امرأة. فهل كان هيامه بامرأة هو المحرك لفنه حقًا، أم أن جذوة الفن هي التي أوقدت حبه للمرأة؟
لقد لعبت النساء دورًا جوهريًا في حياة بيكاسو، أو لعلنا نقول في حياته الفنية، بمعنى إبداعه وابتكاره في رحلته للتعبير عما يعتمل في كيانه.
وتعتبر علاقاته الصاخبة بهن مهمة وحيوية للغاية في عمله الفني، فكثيرات منهن كن ملهمات لخياله.
وبيكاسو تزوج مرتين، إلى جانب وجود عديد من العشيقات في حياته. ولم يكن مصير بعض نسائه سعيدًا أو طبيعيًا؛ فانتحرت إحدى عشيقاته وزوجته الثانية، كما أن عشيقة أخرى له وزوجته الأولى تعرضتا لانهيار عصبي!
وقد تكون الحياة مع هذا العبقري ومشاهدته في مرسمه يبدع ويبتكر، وكيف يحول بالفرشاة لونًا زيتيًا جامدًا إلى لوحات فريدة معبرة، يجعل من الصعب على إحداهن أن تخرج من عالمه السحري إلى واقع عالمها الرتيب دون رجعة.
وهنا يلح علينا هذا السؤال المهم: إلى أي مدى يحق لنا أن نحكم أخلاقيًا على بيكاسو أو على أي فنان أو مبدع في هذا السياق؟
أقول إنه مهما اتسع مدى الحكم أو ضاق، فلا يجب أن يتعدى مقياس الأخلاق الزمن الذي عاش فيه الفنان، والمجتمع الذي انتمى إليه، والثقافة التي سادت عصره. فلا يعقل على بأي حال من الأحوال أن نطبق عليه مقياس الأخلاق السائد في زمننا ومكاننا، أو المفاهيم الثقافية التي تضبط سلوكنا اليوم.
وهذا لا يعني أيضًا أنه يحق للفنان أن يعيث فسادًا في الأرض بذريعة الفن، وهو ما لا يمكن اتهام بيكاسو به في حدود زمانه ومكانه وثقافته.
وأنا هنا لا أقصد علاقاته النسائية فحسب وإنما كل ما يعنيه مفهوم الأخلاق من: صدق وأمانة وإيثار وكرم وغيره من المبادئ الإنسانية الرفيعة.
وعلينا أيضًا ألا نغفل عن الطبيعة المتفردة للفنان العبقري، تلك التي تملي عليه نوازع وأحاسيس تختلف في قوتها وهيمنتها على إرادة الحياة فيه، عما سواه من بني البشر.
خذ مثلًا شعور الوحدة الذي يطغى على مشاعره، فلا يمكن لأحد أن يتصور كيف يبلغ مداه من العذاب، أو كيف يقدم له العون على تحمله.
ولأن الفنان هو وحده القادر على التعبير عن هذا الشعور فلا يمكن لأحد مساعدته؛ فكأن الفنان يسير فوق حبل مشدود لا يتسع إلا لسواه.

الكاتب في متحف ألبرتينا – فيينا

كانت لبيكاسو رؤية مهمة للغاية يسعى إلى وصولها إلى البشرية، وإذا فشل فيها سقط في هوة سحيقة لا قرار لها، وأمست حياته بلا معنى.
لقد حاول عالم النفس السويسري “كارل يونج” تحليل ظاهرة الإبداع في نفس المبدع، فخلص إلى أن الإنسان المبدع لغز أو سؤال، قد نحاول العثور على تفسير له أو إجابة عنه بطرق مختلفة، ولكن هيهات دون جدوى.
كان لبيكاسو – ولايزال – تأثير هائل على عالم الفن، اعترف به معجبوه ومنتقدوه على حد سواء. ونحن لا نبالغ حين نقول إنه أعظم فنان في القرن العشرين، فلم يبلغ رسام أو نحات هذا الأوج من الشهرة في حياته من قبل.
ونحن لن نتطرق هنا إلى الحديث عن القيمة المادية التي وصلت إليها لوحاته في زمننا، والتي تعتبر من أغلى الأعمال في تاريخ الفن. ويكفي أن نذكر أن لوحته “طفل معه غليون” التي رسمها وعمره أربعة وعشرين عامًا بيعت في صالة سوثبي عام ٢٠٠٤ بمبلغ مائة وأربعة ملايين دولار مسجلة رقمًا قياسيًا جديدًا.
لقد أضاف بيكاسو إلى الذاكرة الإنسانية بلغة الرسم والنحت ما يثري وعيها، وتستنير به في استكشاف معنى الجمال.

مجلة فنون الجسرة – العدد 01 – ربيع 2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى