استلهام الحكاية الشعبية في أدب المسرح

سندريلا «الفسيجرة، الحذاء الذهبى» نموذجًا

معظم الحضارات القديمة تمتلك رصيدًا من الحكايات والأساطير والخرافات، ولعل أبرز الملاحم التي عرفت عبر تاريخ الإنسانية مثل ملحمتي «الإلياذة والأوديسة وما أنشده ذلك الشاعر الإغريقي من انتصارات شعبه الإغريق على الفرس، واستمد الآخرون فيما بعد أعمالًا خالدة في نتاجه سواء كان إسخيلوس أو سوفكليس أو يوربيدس. كما أن فرجيل في الإلياذة والهنود قد احتفظوا عبر اسلنكرتيه بثراء الحكايات الشفوية سنواتٍ بل قرونًا، وما جرى عبر الواقع أو الخيال سيان، في ملحمتي الرامايانا والمهابراتا، وحكايات وقصص الفينيقيين عبرت القرون عبر الإطار الشفاهي.

 

وإذا قلبنا في الإرث العربي عبر تلك المعلقات، فإن الإطار الشفاهي بحضور الذاكرة الطاغي احتفظ بهذا الإرث، نعم لقد ترك الأولون عبر الإطار الشفاهي ثروة في كل مجالات الإبداع في الأدب والحكمة واللغة والشعر والمأثورات، تناقل الإنسان العربي هذه الثروة جيلًا إثر جيل.، حتى وصل إلى عصر التدوين، ولعل دستورنا المتمثل في القرآن لم يتم جمعه إلا في عصر ثالث الخلفاء الراشدين، أما فيما يخص الأحاديث النبوية فيكفي أن نتذكر ما قام به العالم المسلم البخاري، وهنا لا بدَّ أن نتوقف قليلًا كي نوضح أن الإطار الشفاهي وعبر الانتقال المكاني والزماني لا بدَّ وأن يعتريه بعض الضمور، نعم فمعظمه صحيح، ولكن أيضًا هناك المغول، ولا نريد أن نتوقف أمام عميد الأدب العربي د. طه حسين في دراسته عن الشعر الجاهلي، ولكن حتى في واقعنا المعيش هناك الشيخ الألباني وجهده في هذا الإطار، لعل هذا يوضح لنا كيف أن الحكواتي وليالي السمر وشاعر الربابة كان يضيف الكثير، الكثير، لنأخذ مثلًا سيرة ذات الهمة أو سيف بن ذي يزن، أو أبو زيد الهلالى، أو حتى عنترة بن شداد، ما أكثر المرويات، دعنا من هذا لو دخلنا إلى أي مجلس يضم عددًا من كبار السن، واستحضرنا سيرة «بودرياه» لسمعنا العجب العجاب، أو من شاهد «حمارة القايله..» أو غيرها من الحكايات التي تروى كحزاوى، وهي تشكل مع غيرها تراثنا الشعبي.

منذ القدم إذا كان إرثنا العربي سواء الشعر أو أخبار العرب أو ما جرى للزير سالم على سبيل المثال جزءًا من إرثنا وتراثنا الشعبي حتى الآن ومعينًا لا ينضب سواء للشاعر أمل دنقل عبر رائعته «لا تصالح»، أو عبر مسرحية المرحوم ألفريد فرج في رائعته الزير سالم، قد يطرح أحدكم تساؤلًا: هل ما وصل إلينا من الأشعار عبر تاريخ الشعر العربي منذ امرئ القيس يمثل كل ما قيل في إطار القوافي والأوزان؟ الجواب: لا. بلا شكَّ إن جزءًا كبيرًا وكبيرًا جدًّا من إرثنا ضاع عبر الأجيال المتعاقبة ولم يكتب منه إلا اليسير اليسير، وبخاصة في عهد الرسول الكريم والخلفاء الراشدين ولا ننسى أن الذاكرة مهما أوتيت من قوة فلا بدَّ وأن يحدث لها الضمور أو الفقدان عبر امتداد العمر أو السنوات. وكتب التراث تذكر لنا الدور البارز لمعاوية بن أبي سفيان في دعمه وتشجعيه للأدباء والشعراء، فقد كان يمنح من له إلمام بأيام العرب والشعر عطاءه، ويكرمه، وليس هذا فقط فقد قيل إنه كان يهتم بهذا الجانب ويرسل البعثات العلمية في مجال الأدب، إذا جاز لنا التعبير، إلى بعض المدن العربية مثل اليمن والحجاز، أو يحضر من تلك البلدان من لهم إلمام بهذا الإطار، كما فعل مع عبيد بن شريه الجرهمي الذي استقدمه من اليمن، وهذا يدل على الاهتمام -وبخاصة الاهتمام- بالإطار الشفاهي كجزء مهم يشكل -حقيقةً- جزءًا من الإرث العربى.

ولم يكن معاوية متفردًا في هذا الإطار، بل سار على نهجه فيما بعد جل خلفاء بني أمية وبني العباس، بل كان الاهتمام الجدي بتدوين كل شيء مخافة من الضياع مثل الشعر، التفسير، الحديث، والسير والأمثال، نعم حافظوا على الإرث العربي من الضياع، فكان الجميع يحاول أن يخرج من الإطار الشفاهي إلى التدوين وبخاصة أبرز علماء تلك المرحلة. وكان ظهور النسابين والإخباريين والمفسرين وأيضًا طبقة من المحدثين والمؤرخين، وبخاصة في القرن الثاني الهجرى، ونلاحظ أن هناك شبه إطار علمي يفصل رواية اللغة والأدب عن غيرهما، وهذا لا يعني أنهم لم يعتنوا بتراثنا الشعري في العصر الجاهلي وصدر الإسلام، لا؛ لأن هناك أسماء عاشت ومازالت تعيش في ذاكرتنا مثل الأصمعى، ومثل الخليل بن أحمد الفراهيدي وغيرهما، وكان دور الراوي مهمًّا، أوله التوثيق، وهناك حكاية تروى عن لقاء الحسن بن هاني -أبو نواس- وطلبه من والبة أن يعلمه الشعر، فما كان منه إلا أن طلب منه أن يذهب إلى البادية كي يحفظ عشرة آلاف بيت ويعود إليه، وبعد عام عاد النواسى، وقد حفظ عشرة آلاف بيت شعر من أشعار النساء، أيضا نلاحظ العديد من الأسماء التي هي تشكل دعامة في إرثنا المكتوب مثل أسماء: الفراء، ابن النديم، أبو حيان التوحيدي، ابن المقفع، عبد الحميد الكاتب، وغيرهم، وتأثرهم بما كانت تحتفظ به البادية من ثروة فكرية ولغوية، حتى إن «ابن جني» يري أن القرن الرابع الهجري هو ختام الرواية الشفوية. لا بدَّ أن نتوقف قليلًا لنتذكر أسواق العرب ودورها في الحفاظ على تاريخنا الشفاهي، نعم علق شعراء المعلقات السبع أو العشر أو الأربع عشرة، حسب بعض الآراء، أن معلقاتهم علقت على أستار الكعبة وحفظها الرواة، ولكن فيما بعد ظهرت العديد من هذه الأسواق، مثل المدن التي احتضنتها كالبصرة والكوفة، مثل المربد على سبيل المثال لا الحصر. ولكن هل التاريخ الشفاهي موثق دائمًا؟! بلا شك في البدء لا بدَّ من وجود بعض الهنات وبخاصة في الحكايات التي تلامس واقعًا مر عليه سنوات، وبخاصة في حكايات بعض كبار السن، ولقد سجلت بعض من حكايات ومبالغات البعض عبر مجموعتي القصصية «الموتي لا يرتادون القبور»، أذكر هذا منذ أربعة عقود كيف كان الجمع يضم كوكبة من كبار السن، يتباهون بتاريخهم البطولي عبر حكايات لا تنتهي، حول قدرتهم على حمل «بارودة أو الدقل» بمفرده، أو مشاهداته «لبودرياه» ذلك الوحش الخرافي.

وهنا لا بدَّ من التنبيه على أن الرواية الشفوية لها قيمتها ليس فقط عندما تعكس الأحداث الماضية بدقة، بل لأنها تعبر عن شيء من العلاقة بين الماضي والحاضر. هل تشبه المصادر التاريخية الأخرى؟ وهل كل المواد المؤرشفة صادقة؟ ها نحن نقرأ كل يوم مذكرات ومذكرات مضادة لأناس عاشوا بين ظهرانينا، أين الحقيقة؟ هل في روايات تاريخ الإسلام عند جورج زيدان أو أمين معلوف في سمرقند أو ماني أوليون الإفريقى…؟! نعم قد تسجل الرواية الشفاهية جزءًا من ذاكرة المكان، أو بعضًا من حقب التاريخ أو تجارب فرد ما، وقد تختلف عما هو مكتوب أو مؤرشف في الكتب أو الدراسات الأكاديمية، وقد تتحول بعضٌ منها إلى إطار فلكلوري عبر الأجيال المتعاقبة، كما هو واضح في قصص وحكايات البحر أو البرسيان، ولكن لأن المجتمع الخليجي وبخاصة في قطر قد ارتبط بالبحر، فما أكثر حكايات الغاصة والنواخذة. وهذا الإطار قد مدَّ الكاتب المحلي بحكايات وروايات تشكل تأريخًا لما كان يحدث، هذا التاريخ الشفاهي موازٍ لقصص العرب في الحب، هنا قيس بن الملوح، وهنا عنترة وعبلة، وهنا حب عباس بن الأحنف وفوز، والأغرب من هذا ما تم تقديمه عبر نوادر جحا» ومن هو؟ ومن أين؟ الفرس يدعون أنه «ملا نصر دين» والترك يؤكدون أنه الخواجة «ملا نصر الدين»، وعلماء الآثار يحددون أنه عربي ومن قبيلة كذا، دعونا من هذا الإطار المرتبط بما ذكرت وتعالوا نقلب في سيرة الأبطال الذين خاضوا الحروب والمعارك في صدر الإسلام ولاحقًا أو بعض المواقف المؤثرة، وهذا الإطار لا يمكن الاقتراب منه أبدًا، لأنها أصبحت حقائق بعضها مع الأسف ذات ارتباط عضوي بشجاعة الفرد وقوته وعمق تفكيره. إن معظم تاريخنا القديم وتاريخ العالم بأسره يعتمد على الرواية الشفاهية سواء ما كان قبل التوثيق أو بعد الطباعة والنشر أو في واقعنا المعيش عبر الجهاز السحري أو عبر الهاتف، فأنت تصحو الآن عبر جهاز هاتفك المحمول وتفاجأ بأن أحداثًا قد وقعت خلال ساعات نومك، ثم تكتشف زيف تلك المعلومات مع الأسف. بعد هذه المقدمة السريعة لا بدَّ من الوقوف طويلًا أمام «الحكاية الشعبية وكيفية استلهامها في الأدب، شعرًا ونثرًا، ففي الشعر لجأ العديد من الشعراء إلى هذا الكنز الثر، هنا «أمل دنقل وصرخته لا تصالح»، وفي المسرح وجد الكُتاب بغيتهم في استحضار التاريخ، لا نتحدث عن الإغريق ولا عن شكسبير ولا عن كورنيه وراسين، ولكن جل المسرحيين غرفوا من معين لا ينضب، هنا أحمد شوقي أمير الشعراء وإبداعاته مثل قمبيز ومجنون ليلي وغيرهما، وعزيز أباظة وعبد الرحمن الشرقاوي ورائعته عن سيد الشهداء سبط النبي الكريم «الحسين ثائرًا»..«الحسين شهيدًا»، وعشرات الأسماء مثل صلاح عبد الصبور وصولًا إلى رائعة عبد الرزاق عبد الواحد «الحر الرياحي».

كما أن البدايات الأولى لفن المسرح في الكويت والبحرين في العقد الثالث من القرن الماضي كانت عبر الشاعر البحريني إبراهيم العريض في رائعته «وا معتصماه، بين الدولتين»، وكذلك الحال مع الشاعر البحريني عبد الرحمن المعاودة عبر العديد من المضامين المرتبطة بنماذج من الإرث التاريخي الإسلامى. ومن الملاحظات المهمة، أن الحكاية الشعبية كان حضورها في مسرح الأطفال أيضًا مكثفًا مثل السندباد البحري على سبيل المثال لا الحصر، ووجد الكاتب المسرحي أن استلهام تلك الحكايات الشعبية المتداولة يسهم بلا شك في تحميلها مضامين عدة، والمسرح أقرب الفنون إلى ذهن وفكر الأطفال، ذلك أن للحكايات وقدرة الراوي أو الراوية على التجسيد تخلق عوالم أكبر للطفل، مازلت حتى هذه اللحظة أتذكر حكايات جدتي وحكايات خالتي؛ كنا فيما مضي أنا وأبناء عمومتي نجتمع في ليالي الشتاء الباردة، وفي سنوات لم تطل برأسها وسائط الرفاهية، وفي تلك المساكن التي تحوي عددًا من الغرف تضم العمات والخالات كانت بيوت الطين متلاصقة وعوالمنا مرتبطة ببعض الألعاب المتواضعة مع أولاد العمومة والخئولة ورفقاء الحي في فترة العصاري، أما في الأماسي فإننا جميعًا مرتبطون بجداتنا والأمهات والعمات والخالات وهن يسردن علينا حكايات، وقد تتكرر الحكاية فيعلق إذا أخطأت إحداهن «لا، بالأمس قلتِ كذا وكذا…» هل كان الأمر تأليفًا فوريًّا من قبلهن…!! وما أكثر الحكايات عن ملوك الجن التي توردها كل جدة، وكيف أن الجني سحر ابنة الملك، والأهم اختراع أسماء للجن.، كيف؟! لا تسأل، وأن البطل استطاع أن يعيد بدر البدور إلى أبيها الملك والنهاية طبعًا، الزواج السعيد. حكايات الجن والعفاريت عاشت معنا ردحًا من الزمن ثم تلاشى تأثيرها، وبقيت في الذاكرة حكايات سيدنا يوسف وسيدنا سليمان، بعض الحكايات مصدرها الكتب السماوية وهذا أمر مفروغ منه، ولكن الآن وأنا أتأمل الماضي الذي ولى سراعًا، أن العديد من حكايات الماضي التي كانت تسرد لو تم سردها الآن لتعرض السارد إلى السجن أو العقاب البدني حسب قانون العيب، كانت جدتي الأمية حسب زعمنا الحالي لا أعرف من أين تأتي بتلك الحكايات ونحن نلتصق بها، هروبًا من الأحداث التي ترويها وهروبًا من البرد القارس، عرفنا لاحقًا بعد ما كبرنا أن بعض تلك الحكايات مصدرها الاحتكاك بالآخر من أبناء المنطقة وبعضها مصدرها الكتاب الأبرز «ألف ليلة وليلة».

أتساءل الآن حول حكاية «فطير شمعون» كيف وصلت إلينا، وهل كان ذلك مبرمجًا لزرع الخوف من غدر اليهود وشرب دم المسلم؟ وما الذي أتي بها وسجلها في ذاكرة مسنة أمية؟ كيف حملت مخيلة مسلمة هذه الحكاية وغيرها من الأحداث والمسلمات عند العديد منا، من الجائز جدًّا أن يرتبط ما كان من الحكايات الشعبية بأمور ذات ارتباط عضوي بالمنطقة وأقصد دول الخليج العربى، وبشكل خاص بعوالم البحر والغوص أو رحلات البحر وعبور الفيافي والقفار في رحلة الحج مثلًا، نعم لدينا مثل هذا، مثل: 1- حكاية بودرياه. 2- حكاية عروس وكيف حبت الغواص ماجد. 3- حكاية سندريلا «الفسيجرة أو الحذاء الذهبى». 4- حكايات مرتبطة بعوالم الغيبيات مثل الجن والعفاريت والسحر. 5- حكاية «حمارة القايلة». 6- حكاية أم حمارة 7- حكاية أخلاقية «الراعي والذئب». وعبر تلك الحكايات الشعبية البسيطة وعبر دور الجدات والأمهات كانت الغاية والهدف أمرًا بسيطًا، التسلية والارتباط العائلي وإمتاع الطفل عبر وسيط يملك القدرة على التأثير وإسعاده، ولكن أعود فأقول إن أمر القيم التي تقدمها تلك الحكايات غائبة وأعتذر عن تقديم بعض الشواهد؛ لأن المغزى أكبر من مداركنا، ولا تتمشى مع الذوق في واقعنا الحالى، مع أن بعض الحكايات أيضًا حفلت بالعديد من القيم الاجتماعية مثل احترام الآباء وكبار السن وحسن معاملة الفقير ونشر المحبة والعطف وحب الوطن والارتباط بالدين والعادات والتقاليد، بل إن بعض حكايات المجالس قد حوت العديد من المعلومات وإن كانت مرتبطة برحلات السفن إلى موانئ بعيدة مثل «البصرة، لنجة، دبى، الكويت، عدن، بومبي، بمباسا وغيرها». في الحكاية الشعبية إذا تعددت المصادر. 1- منها ما ارتبط بتراثنا الشعبي العربي وكل ما ارتبط بذاكرة الأجيال من تاريخ وتقاليد وقصص وحكايات وأمثال، وكل الفنون بما في ذلك الأهازيج والغناء. 2- حكايات شعبية اختلف جل الباحثين في تحديد منبعها كما أسلفت مثل شخصية «سندريلا» علاء الدين والفانوس السحري، وغيرها، مع أن هذا النموذج عبر مسرح الكبار قد حضر عبر المسرح الكوميدي مع أحد أعلام المسرح الكوميدي سمير غانم، هل كان جحا مثلًا حكيمًا؟ أم كان إنسانًا بسيطًا؟ هل كان مغفلًا أم كان يضحك على الآخرين؟

إن «خوجا نصر الدين والملا نصر الدين والجحا العربي نموذج تتنازعه شعوب عدة. 3- كان الشعر والأمثال أيضًا حاضرين في ذاكرة رواة الحكايات ولكن عبر تلك المجالس أيضًا دون أن يعرف معظم الحضور لمن هذه الأبيات إلا فيما ندر مثل عنترة «لا تسقني ماء الحياة بذلة» وعدد من الشعراء والقصائد، أما في مجال الأمثال فما أكثر تلك الأمثال التي صاحبت تلك الحكايات، كأن يقول أحدهم: هذه الحكاية تنطبق على المثل الشعبي «مد رجولك على قد لحافك» أو«وافق شن طبقه» دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن «شن» ودون أن يعرفوا حتى مصدرها «أن شن» كان من أعقل رجال العرب، وكان يبحث عن زوجة تكون في مستواه الفكري والعقلي، وتلازم كلاهما في سفر مع رجل لا يعرفه، والحكاية مدونة حول مجموعة من الأمثلة التي تشكل لغزًا وكيف عجز الرجل عن الحل، حتى حلت جل المعضلات ابنة الرجل «طبقه» وكلل مسعاه بالزواج من ابنة الرجل وهكذا، «وافق شن طبقه». 4- في مجال السير، هنا تأخذ الحكايات الشعبية إطارًا آخر، يختلط الواقع بالمتخيل، لماذا؟ لأن السيرة في تراثنا الشعبي هي تاريخ طويل؛ بطولات، صراعات، حكايات الرواد في المقاهي وغيرها، والأهم عدم وجود المدونات التي تدون وتسجل وترصد، ومزج بين أحداث واقعية حدثت وأحداث خيالية، والأسوأ أن هذا الأمر قد غلف مع الأسف العديد من الوقائع الحياتية لفترة من فترات الزمن بما هو بعيد عن أرض الواقع، لنأخذ سيرة عنترة، سيف بن ذي يزن، الزير سالم، أبي زيد الهلالى، حتى سيرة شاعر العرب الأكبر المتنبي، وطرفة بن العبد، وامرئ القيس، وحكايات تأبط شرًا، أو السليك بن السلكة، وعمرو بن الود، إلخ. من هذا المنطلق فإن حكاياتنا الشعبية والخرافية تشكل جزءًا من تراثنا الحقيقي والواقعى، قد لا يجد في هذا الأمر الجيل الجديد ما يبعث الدهشة في نفوسهم، ولكن الأجيال السابقة ولعقود طويلة من الزمن أو ربما لقرون قد عاشت مع حكايات «بودرياه» تلك الأسطورة التي رافقت رحلات البحر والغاصة، وعلي ذات المنوال عاشت الحكايات المشابهة في ذاكرة أبناء الأمة، خاصة تلك البلدان العربية التي تتشابه على ذات النمط من الحياة أو البيئة الجغرافية. إن الحكاية الشعبية والخرافية في إطار المصطلح العلمي والأدبي تتمحور حول افتراض بأنها الخبر الذي يتصل بحديث قديم وهذا الأمر وأعني الحدث ينتقل عن طريق الرواية الشفاهية من جيل لآخر، وقد يخلق هذا الخبر المخيال الشعبي حول عدة أمور منها مثلًا بعض الحوادث المهمة، وقد يربطها مثلًا بسنوات حدثت فيها بعض الأمور الخارجة عن رغبة الإنسان مثل سنة الطبق، الهدامة الطاعون، أو تربط مثلًا بنماذج بشرية مثل غرق بوم النوخذا فلان زواج ابن الشخصية فلان الذي غرق قبل العرس بأيام، أو انهيار مثلًا «سد مأرب» على سبيل المثال، وغيرها.

ومن الملاحظ أن الناس البسطاء كانوا في معظم الأحيان يصدقون معظم تلك الروايات والحكايات، وهذا ما أدى إلى تطور هذا الأمر، نعم هنا حكاية شعبية أو خرافية سيان، ولكن بمقدور من أن يلغي من ذاكرة الإنسان البسيط في تلك الحقبة أن يلغي من الذاكرة تلك الحكايات؟ بمقدور من أن يكذب حكاية ذلك الغواص الذي يدعي أنه غاص ذات مرة لمدة ساعة؟ ذلك أن الزمن غير محدد في ذاكرة ذلك الإنسان البسيط!! هنا خيال ينطلق بصاحبه أنه لا يعي الزمن وهذا ما خلق أساطير وحكايات ذات ارتباط عضوي بالغيبيات مثل قصص الجن والعفاريت، والسحرة. وكل القوى الغيبية والقوى الخارقة عن المألوف. وتركت في النفوس التشويق، وهذا الأمر لا يقتصر على منطقة جغرافية. إن سيرة «أوديب» وتلك العلاقة، تتمثل في الأدب الهندى، إن الإغريق والهنود يقدمون ذات النماذج ولكن للإغريق عبر الأدب المسرحي الذي حصد كل هذه الشهرة عبر العالم بأسره، وذلك عبر الحبكة والمضمون والهدف الذي يشكل النهاية..! من يَعُدْ إلى بعض حكايانا، يكتشفْ مثلًا أن حكاية عقلة الإصبع حكاية عربية، فهل حقًا حكاية عربية؟ وهل حقًا كان هناك وادٍ يسمى «وادي عبقر» يأتيه الشعراء ويستمدون منه الإبداع؟، كيف بدأت؟ ومن ابتكره؟ ومن اخترع هذه الحكاية؟، إن العالم عبر الحكايات سواء ما ارتبط بلقمان الحكيم أو حكيم «أنو شيروان» أو حكايات «أيوب» ذلك الفيلسوف الإغريقي، لكن حكايات أيوب وما تضمنته كليلة ودمنة عاشت في ذاكرة شعوب العالم، ولا يقتصر الأمر على جهدٍ ما دون آخر، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن كليلة ودمنة وما قدمه ذلك الفيلسوف الهندي «بيدبا» ودور عبد الله ابن المقفع وما تضمنه من الأمثال والحكم مصدر مهم من مصادر الفنون الأخرى وأهمها المسرحيات الخاصة بفلذات أكبادنا. وتاريخنا العربي مليء بالكثير من الحكايات.

فقديمًا في مدارس قطر من ضمن المقررات حكايات «عمرو شاه»، حي بن يقظان، ولقد حول بعض الكُتاب العديد من تلك الحكايات بما يناسب ذهنية الطفل العربي عبر حكايات مبسطة، وإن كان الاعتماد في خلق إبداع مسرحي قد ارتبط بحكايات مثلًا (علاء الدين والفانوس السحري أو الشاطر حسن والحكيم لقمان، وسندريلا وجحا الحكيم، والأقزام السبعة)، وغيرها، لعب الكاتب القطري دورًا في مد الجسور سواء مع القارئ أو المسرحي حول بعض الأعمال التي قدمت فوق خشبة المسرح، منها ما ارتبط بذائقة الطفل منها أعمال تعتبر علامات في المسرح القطري، من الكتاب في مجال أدب الطفل والقصص والحكايات، سواء المستلهمة من كتب التراث أو مقتبسة، أو من ابتكار المؤلفين القطريين، على سبيل المثال: «محمد علي عبد الله» وهو فنان تشكيلي وباحث تراثي وروائي قدم واحدةً من أروع الروايات «فرج» وقدم عددًا من الأعمال من التراث القطري وقام بإعدادها مثل «الغزالة والذئب» وتضمنت القصة مفردات محلية عبر أغنية الغزالة لوليدها، وقدم بجانب ذلك قصة أخرى تحمل عنوان «البنت والطائر»، وهذه القصة مستمدة من التراث القديم المنتمي إلى الإرث القطرى، بجانب قصص ارتبطت بعالم البحر مثل «بودرياه» وقدمها تحت عنوان «الانتصار على بودریاه». هناك العديد من الأسماء في قطر الذين استمدوا من الحكايات الشعبية العديد من الأعمال مثل الكاتب «مسعود عبد الهادى، أمل صالح وقصتها «كنز القرية»، والدكتورة كلثم الغانم، وغيرهم.

كان دور الحكاية الشعبية في إطار الفنون وبخاصة فنون الأدب الشعبي مؤثرًا؛ فقد لعبت الحكايات الشعبية وبخاصة ما ارتبطت بعوالم البحر والغوص والسفر بذاكرة معظم الأجيال، قد يقول قائل «إنها تحوي العديد من المبالغات؟ نقول إنها إرث لذلك الجيل كما أن العديد من الرواة قديمًا كانوا يملكون القدرة على السيطرة على المتلقي سواء ارتبط الأمر بكبار السن أو الأطفال. هذه الحكايات بعضها تحوي جزءًا من الواقع، وبعضها مرتبط بالخيال ولكن في النهاية هناك العبرة، إن نتيجة الكذب والسرقة معروفة سلفًا، وأن الشرير سوف يلقى جزاءه، وقد تتكرر في المجلس ذات الحكايات لمرات عديدة، ولكن قدرة السارد على السرد تجعل الجميع يعيشون مع الأحداث التي رويت مرارًا وتكرارًا، وذلك عبر أسلوب الأداء والتأثير على الآخرين سواء كان السرد مرتبطًا بالأسطورة مثل «بودرياه» أو الخرافة مثل أم حمار – حمارة «القايلة» أو السير الشعبية حول البطل في إطار الشعر والأدب مثل: أبو نواس وحكاياه التي لا تنتهي أو أبو دلاله، إلخ. الحكاية الشعبية والمسرح: المسرح عمره الافتراضي في قطر لا يزيد على ستة عقود من عمر الزمن؛ ولذا فقد لجأ الكاتب منذ البدايات الأولى إلى الأمثال والحكايات الشعبية، كان المبادر الكاتب والباحث الشعبي «خليفة السيد» عبر عدد من المضامين المرتبة بالزخم التراثي في الأمثال؛ فقدم «من طول الغيبات» وغيرها. كان ذلك مع بدايات العقد السابع من القرن الماضى، وكان الذهاب إلى الأمثال والحكم والحكايات الشعبية مجاراة لما حصل في المسرح الكويتي والبحريني الأقرب إلى المنطقة، وإعادة لما قدمه مارون نقاش في بيروت عام 1849م عندما لجأ إلى التراث العربي أو «حسن المغفل، هارون الرشيد». كان الكاتب الكبير عبد الرحمن المناعي على وعي تام وهو يلجأ إلى الحكايات الشعبية، وكذلك الفنان حمد الرميحي، كأبرز اسمين في قطر في مجال الكتابة والإخراج المسرحي منذ ظهور هذا الفن في قطر، ولأن لدى كل شعوب الأرض حكايات وأساطير وأهازيج، ولدى البعض الآخر ملاحم مثل الإغريق والفرس وبلاد الرافدين وملحمة جلجامش.

وكانت هناك محاولات عربية عند الشاعر أحمد محرم في خلق شكل ملحمي أطلق عليه «الملحمة الإسلامية» ومع ذلك فلم يدرج ضمن الملاحم العالمية، هذا لا يعني أننا لا نملك مثل شعوب العالم حكايانا، يكفي أن يقلب أحدنا في سفر الكون «ألف ليلة وليلة» الكنز الذي لفت نظر العالم بأسره، بدءًا بالقارئ العادي وصولًا إلى عددٍ من أبرز الأدباء، يكفي أن يقول ماركيز وغيره «إن هذا الأثر الأدبي العالمي عالم من المتعة، والثراء ولقد سبق كل الآداب بهذا السحر والجمال والمتعة». نحن لا نملك الملاحم في إطارها العروبي أو الإسلامي بالمعنى المتعارف عليه علميًّا، ولكن نملك من الحكايات ما يوازي العالم لأننا جزء من هذا العالم بحضاراته، ودورها الكوني، إننا جزء من هذا الوطن الممتد من الماء إلى الماء، وله حكاياه الشعبية المتوارثة جيلًا إثر جيل فالحكاية في إطارها المتعارف عليه تعريفيًّا «الطريقة التي تتحول بها تجربة ما إلى إفادة كلامية، إذًا الحكاية وسيط لتوصيل التجربة عبر أفعال وأحداث قد تصور الحياة بما فيها من تضاد وقد تصور القهر والظلم وغياب العدالة ثم يكون هناك المنقذ الذي يعيد الحق إلى صاحبه ونشر السلام والخير، والحكاية جزء من النشاط الإنساني في إطارها الطبيعي أو الغيبي، ومن يتأمل في بعض الحكايات لا يمكن أن يصل بالمضمون إلى تفسيرها. في الإطار الحكائي يمكن الحذف والإضافة، ويمكن تغيير الزمان والمكان ولكن من الصعوبة بمكان أن نلغي أو نختلف على وظائفها؛ لأنها رافقت مسيرة الإنسان عبر تاريخه. ففي الإطار الحكائي هناك العديد من الحكايات والسرديات قد تتشابه، فهل هناك موطن أصلي للحكاية؟ هل حكاية «حذاء الطنبوري» مرتبطة بمكان محدد، وهل سندريلا ذات جذور عربية؟ هل الهند وبلاد فارس شكلت النواة الأولى لها؟! هل حكايات «بيدبا» أو حكم «لقمان الحكيم» خاصة بعالم ما؟! من الواضح أن العالم يشترك في معظم الحكايات، والحكايات الشعبية معين لا ينضب للمبدعين في كل أرجاء العالم عبر السينما والمسرح والأوبرا وغيرها من الإبداع الإنساني في العصر الحديث.

لعل أبرز الأسئلة والتي تثار: هل الحكاية الشعبية والحزاوى كما نقول مرتبطة فقط بالأساطير والخرافات؟! ولكن هناك عبر التاريخ الحكائي مواضيع تمزج الواقع بالمبالغة، وتأخذ منحى الحقيقة، مثل سيرة عنترة وسيف بن ذي يزن، وقد يرتبط ذلك بما هو من نسج الخيال، مثل حكايا الجن والعفاريت من جهة، والإيمان والعقيدة في إطار آخر، كما في سرديات سيدنا سليمان وملكة سبأ بلقيس وغيرها من الحكايات التي تضاف إليها الكثير من الأعاجيب بعيدًا عن المصادر القرآنية أو بعض الكتب السماوية. هنا نكتشف أن الإطار الحكائي الشعبي يربط بين عالم الواقع أو المفترض وعالم الخرافة، ولعل أبرز الحكايات ما ارتبط بالشعراء وبخاصة في العصر الجاهلي ووادي عبقر وشيطان الشعراء، ولو تأملنا سيرة أشهر شعراء العصر الجاهلي وبخاصة الشعراء الصعاليك لوجدنا أنفسنا أمام عالم من الغرائبية، هنا الواقع والحقيقة وجور تأبط شرًّا والسليك بن السلكة، فسرعة أحدهم أنه كان يسبق انطلاقة الخيول، وكيف أن تأبط شرًّا قد تأبط غولًا وأخذه لأمه..!! وهل حقًا هناك غول؟ وكيف أن فرسان العرب قد أبادوا الغول في الجاهلية والإسلام؟!! كيف يتأتي هذا الأمر والحكمة تحدد الأمر إن «المستحيلات ثلاثة الغول والعنقاء والخل الوفي!!».

قد يطرح تساؤلًا آخر إذًا ما الحكاية الشعبية في مجمل الأمر؟ عندها نقول «قصة أو حكاية أو حزاية من وحي الخيال الشعبي بمعنى أن هناك حكاية مؤلفها مجموعة من الناس، ولذا يضاف إليها الكثير من الإبهار، وهؤلاء الناس ينتمون إلى العديد من المجتمعات وعادة تدور حول حدث مهم، المتلقي أفراد الشعب والمتعة بحسب قدرة الراوي، عبر المدن والقرى وحتى الأجيال، جيلًا إثر جيل وقد يتحول في الأذهان إلى أنها حقيقة. على سبيل المثال في الإطار الحكائي الشعبي الخليجي هناك حكاية ترسخت في الأذهان: 1) حكاية بودرياه: ذلك الوحش الخرافي الذي كان يفتك بالغاصة، ومن خلال تلك الحكاية الخرافية اقتبس الكاتب القطري «حمد الرميحي» الفكرة واستعان بمخزونه من الإرث الإغريقي عندما مزج بين الطاعون والخوف من المجهول تيمة «البودرياه»، كانت روح «أوديب سوفكليس» حاضرة، كان الأخير قد استلهم من «هوميروس» وملحمته، والكاتب القطري استمد من الحكاية الشعبية هذا الإطار، 2) أما الكاتب الكبير، المخرج والمسرحي الأبرز عبد الرحمن المناعي، فقد ذهب إلى الحكاية الشهيرة «سندريلا»، وهنا لا بدَّ وأن نتوقف كثيرًا، كيف وصلتنا هذه الحكاية الخرافية، وكيف عالج المناعي «سندريلا» وقدمها تحت مسمى «الفسيجرة» وهي نوع من الأسماك في الخليج «الفسكر»؟ فالكاتب والمخرج عبد الرحمن المناعي كاتب غزير الإنتاج ولديه معين لا ينضب من حكايا البحر والأساطير، وقد يلجأ إلى التاريخ القريب أو واقع الحياة المعاصرة، ومعظم أعمال هذا الكاتب قد نهضت على تيمات من الحكايات الشعبية مثل: «مغرم أهل الشوق»، وجل أعماله يستحضر عالم البحر مثل أم الزين يا ليل يا ليل أنين، الصواري مقامات بن بحر «زنزانة البحر، الحارث والكائن، رسائل بو أحمد الحويلي» وهناك مسرحية تشكل عالما مرتبطًا بالحكاية التاريخية كما في بعض السرديات مثل نصه الذي قدم خارج قطر بإخراج المرحوم فؤاد الشطي في الإمارات والذي يحمل عنوان «ها الشكل يا الزعفران» ومسرحية «يا ليل يا ليل». وأخيرًا فإن الحكاية الشعبية وبخاصة فيما يخص مسرحيات الأطفال فإن مسرحية «الحذاء الذهبي أو الفسيجرة» المستمدة من الحكاية العالمية «سندريلا» تعتبر من أفضل النماذج.

نموذج لمسرح الطفل في قطر «الحذاء الذهبي» تأليف وإخراج الشاعر القطري عبد الرحمن المناعي هي أول تجربة في مسرح الطفل، حيث استفاد من حكاية شعبية قديمة تثبت تشابهها مع حكاية سندريلا أصالة حضارتنا وارتباطها والحضارات التي أفرزت الحكايات الأسطورية، كما جاء في الكتيب. وتدور أحداث الحكاية حول فتاة يتيمة تزوج والدها البحار بامرأة أخرى وأنجب منها بنتين، إلا أن زوجة الأب كانت تكره الفتاة «حمدة» ولا تحب لها الخير لما تمتاز به من جمال وذكاء، فكان أن استغلتها لخدمتها وخدمة ابنتها، ولهذا تمت العلاقة قوية بين حمدة والحاج محمد مبارك خميس الذي كان يواسيها وينصحها بالصبر، ويحدث أن تأمر زوجة الأب (مریم راشد) حمدة بالذهاب إلى البحر لتنظف السمك، وكان بين السمك واحدة تسمى «الفسكرة» (الفسيجرة فخاطبت السمكة «حمدة» وطلبت منها أن تتركها مقابل أن تغني لها (هديني باغنيج، هديني باغنيج إلا أن الفتاة أخبرت الفسكرة أنها تخاف أن تعلم زوجة أبيها فتلاقي ما لا يحمد عقباه. ومع ذلك ظلت السمكة ترجوها أن تتركها، وتأتي بحجة قوية وهي أنها تريد العودة إلى بيتها وأطفالها، فتقتنع الفتاة وترمي السمكة إلى البحر وكان كلما احتاجت الفتاة لمساعدة السمكة لبت الأخرى النداء ووفرت لها مطالبها إلى أن جاء يوم عاد فيه الأمير من رحلته الطويلة وقرر هو والناس الاحتفال بهذه المناسبة، فلم تجد الفتاة ما تلبسه لتشارك في الاحتفال فتستعين بالسمكة التي تعطيها ملابس جميلة، تبهر العيون إلا أن الفسكرة تخبرها أن هذا هو الطلب الأخير حيث يجب أن تعتمد على نفسها بعد الآن (وهذا ما أراد المؤلف التركيز عليه، وهكذا تحضر الفتاة الحفل فيعجب بها الأمير، ويحاول أن يعرف من تكون فلم يوفق، وتترك الفتاة المكان بعد أن يسقط حذاؤها الذهبي في البئر، فيأمر الأمير الرعية البحث عن الفتاة ثم يأمر بقياس الحذاء على رجل كل فتاة في القرية، فيكتشف بعد عناء أن الفتاة هي «حمدة» ابنة البحار «إبراهيم» فيتزوجها وتعم الأفراح. في الحكاية الشعبية يستمتع الشعب بالاستماع إليها جيلًا إثر جيل عبر الرواية الشفاهية، وهي في مجملها من البساطة بمكان لماذا؟ كما أسلفت لأنها تمزج الواقع بالخيال؛ كل الأحداث والشخصيات من ابتكار الخيال الشعبي والرواية الشفاهية، لذا يعتبر الحكايات الشعبية كنزًا يغرف منه المبدع شعرًا ونثرًا، حكايات في مجال السرد والمسرح وحتى الأغاني، ففي واحدة من أشهر أغاني الفنان كاظم الساهر «عبرت الشط على مودك» يستحضر البعض قصة تروى، ولكنها تحولت إلى حقائق في أذهان الكثيرين.

من هنا فإن الحكاية الشعبية جزء مهم من ذاكرة الشعوب والأمم ولا تنقطع أواصرها بل تستمر ويستمر تأثيرها جيلًا إثر جيل، وهنا يحدث المزج بين ما كان يجسد جزءًا من الحقيقة أو الأساطير أو حتى معتقدات دينية أو وثنية قديمة قدم وجود الإنسان على هذه الكرة. وهنا يطرح أحدنا تساؤلًا أين ظهرت هذه الحكاية؟ في أي مدينة أو قرية أو في أي زمن؟ ذلك أنها تعيش في كل مكان وكل زمان فهل هي مثلًا ذات ارتباط عضوي بتجارب الإنسان؟! لنتأمل قليلًا، حكاية «سندريلا» وهي ذات صبغة عالمية، السؤال كيف وصلت إلينا تحت أسماء عدة «الفسيجرة، الحذاء الذهبي» وغيرها من المسميات؟. الواضح، أن الثقافة في شمولية الكلمة تتفتح عبر العالم بأسره، قديمه وحديثه، وأن الطفل عبر تلك الحكايات هو المستهدف لزرع بذرة الوعي حول ما يكون وما لا يكون، وبعيدًا عن الإطار الوعظي والإرشادى، فالقص أسرع وسيلة لتدارك ما يجب وما لا يجب، إذًا هنا عدة عوامل تساهم في إطار الوعي والتثقيف بجانب خلق العديد من التجارب والمتعة ممثلًا في قصة «سندريلا» لا يرتبط الأمر بقوة «سندريلا» ولكن بطيبتها وبما قامت وتقوم به زوجة أبيها، والنهاية السعيدة بعد فشل خطة زوجة الأب، وعندما لجأ الكاتب والمخرج القطري عبد الرحمن المناعي إلى استلهام تلك الحكايات لم يقدم العمل المسرحي إطارًا فلكوريًّا، بل لأن تلك الحكاية وغيرها استحضار لسرد شعبي يعيش في ذاكرة الشعب في منطقة الخليج باسم «الفسيجرة» مع اختلاف أنواع الأسماك، ولأنها تحوي مقومات القص أولًا وللتشويق والإثارة والصراع. ومن ثم من المنتصر في النهاية الخير أم الشر؟! إذًا لدينا العديد من العناصر التي تخلق الحافز في ذاكرة الطفل المتلقي هنا قيم وعادات وتقاليد، وهنا الإيمان بالخالق، وهنا العدالة الإلهية والرحمة ونصرة «سندريلا» الفتاة المظلومة من قبل زوجة الأب.

قد ينظر البعض إلى الحكاية الشعبية الآن بخلاف واقع الحكايات الشعبية وما تجسدها مع أنها تعتبر أبرز كنوز الإبداع لأنها تمتلئ بالكثير من الحكم والأمثال، وهذا الأمر يغرس في ذات الطفل كل ما يرتبط بقيم المحبة والخير والعدل والسلام والإيثار والتضحية في عقل وقلب الطفل، كما أن التصاق الطفل وسرعة تجاوبه أبرز سمات تلك الحكايات لعدة اعتبارات؛ لأنها قصص بجانب مضمونها الخير، وبساطتها، فإنها تحوي العديد من الأمور الغرائبية، وقد تحوي البطولات فتخلق لدى الطفل المتلقي التشويق والإثارة سواء عبر العمل الفني «المسرح» أو عبر الدراما التلفزيونية أو قدرة الرواة على السرد، لأن العديد من تلك الحكايا تُقدم نموذجًا لواقع الطفل المعيش؛ فعالم البحر معروفٌ لديه، ولكن ما يخلق لديه من تأثير يتمثل في عوالم الخير والجمال والشر والقبح وعوالم الغيبيات من سحر وإثارة في مخيلته البكر. وفي مجال الحكايات الشعبية نحن كأمة نملك إرثًا يغرف منه شعوب الأرض، وخير مثال حكايات السندباد وعلاء الدين وما حوته ألف ليلة وليلة، حتى إن أدباء أميركا الجنوبية وجدوا في هذا الكنز بغيتهم واعترفوا بتأثير ألف ليلة وليلة على نتاجهم، وما الراقصة السحرية إلا نتاج تلك الحكايات، وقس على هذا ما قدمه واحد من أعظم كتاب لغة الضاد، وأعني الجاحظ في كتابه (الحيوان) والدميري في درته (حياة الحيوان الكبرى)، ولا ننسى كليلة ودمنة وحكايات لقمان الحكيم وغيرهما. لا يقتصر الأمر على النثر، ففي مجال الشعر ومنذ المرحلة الأولى في الدراسة والالتحاق بالتعليم نرتبط بتلك الأناشيد عبر هذه الترنيمة: حكاية عن ثعلب قد مرّ بين العنب.. إلخ، وللحكاية الشعبية بلا شك أهداف تغذي ذاكرة الأطفال عبر الرسوم أو المسرح أو السرد أو التجسيد عبر الشاشة الصغيرة، ذلك أن الفائدة تتمثل في بيان الصراع بين الخير والشر، وأن انتصار الشر آنيٌّ وأن انتصار الخير مستدامٌ، وأن الخير سوف ينتصر.

هذا الهدف التربوي أكثر ما يتمثل في إطار المسرح من خلال تكاملية عناصر العرض من موسيقى، مؤثرات، رقص وغناء وأزياء، وقد يكون التجسيد عبر الأقنعة مثل قصة «ليلى والذئب» أو «الأقزام السبعة» أو غيرها من الأعمال سواء ما كان جزءًا من حكايانا أو ذات جذور عالمية لأن تلك الأعمال الممسرحة تقدم أيضًا المرح والتسلية مثل حكاية «علي بابا والأربعين حرامي، وحكاية «الثور الأبيض»، وهذه الحكاية مع الأسف لم يعالجها دراميًّا أي كاتب عربي ولو اقترب منها كما أتصور لأصبح نزيل السجون في كل عواصم الأمة في واقعنا الحالي، وهي تلك الصرخة الخالدة، إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض..!! إن الحكاية الشعبية كنز ثر، وبخاصة متى استطاع المبدع أن يضعه في إطاره الإبداعي، ففي مجال أدب الطفل وبخاصة المسرح أو الدراما المسموعة أو المرئية سيكون بلا شك ذا تأثير متى ما وضع المعد في الاعتبار كيفية مخاطبة الطفل عبر عقلية الطفل ومدى إدراكه. لأننا الآن أسلمنا القيادة للهاتف النقال والآي باد وغيرهما بجانب أجهزة التلفزة، نحن كأمة نملك كنزًا معرفيًّا، ونملك مثل كل شعوب الأرض رصيدًا زاخرًا من الحكايات سواء في إطار الأناشيد أو الأمثلة، أو حكايات تحلق بذهن فلذات أكبادنا إلى عوالم من الخير ومن تجنب الشر، هذا الأمر يشكل تنوعًا خاصًّا بين الأدب من ناحية في إطاره المسرحي والإطار الحكائي الشعبي وما يخص الطفل العربى.


الخاتمة هذه رحلة قصيرة ومختصرة حول الحكاية الشعبية ودورها وأثرها في إثراء كافة الفنون، وبخاصة المسرح وبالأخص في مجال مسرح الطفل، فقد استلهم العديد من الكتاب في قطر من هذا المعين الذي لا ينضب أبدًا منذ بدايات ظهور المسرح في قطر، ولأن محور البحث كان مسرح الطفل، فإن النموذج الأبرز الحكاية الشعبية العالمية «سندريلا» أو الحذاء الذهبي أو الفسيجرة، والسؤال الأهم من أين عرفت الأمهات والجدات هذه الحكاية؟ السؤال اللغز، إذا كانت ليلي والذئب أصولها من خارج المنطقة وأن «عقلة الإصبع» أيضًا بعيدة عن واقعنا فإن «الفسيجرة» مرتبطة بعوالمنا كما أن «بودرياه» جزءٌ من حكايات الغاصة، نعم انطلقنا في معرفة المسرح عبر استحضار الأمثال والحكايات الشفاهية وقصص البحارة والنواخذه، كان خليفة السيد من استحضر المثل وبنى عليه أحداثًا «من طول الغيبات جاب الغنائم» وقدم «طماشة» ولكن كل من عبد الرحمن المناعي، حمد الرميحى، غازي حسين هدية سعيد، على حسن، ناصر عبد الرضا، أحمد مفتاح، غانم السليطي، فيصل رشيد وفهد الباكر من رسخ هذا الفن في المجتمع. إن معظم الدول في منطقة الخليج العربى، يستمد الكاتب أحداث مسرحياته من ذلك الكنز منذ أن ظهر هذا الفن، كان الاعتماد على التاريخ ورجالاته أو المواقف التاريخية أو الأحداث أو الأمثال أو تلك الحكايات الشعبية. ففي البحرين قدمت عبر سنوات أعمال ذات ارتباط عضوي بحكايا البحر مثل مسرحيات «الدانة، الفتت بنت النوخذا» واعتمدت على الحكاية الشعبية في «سرور» وهذا العام حصدت فرقة الرن جائزة السلطان قابوس عبر مسرحية «قرن الجارية» النص المستمد من الأساطير والحكايات الشعبية، أسطورة محلية قصتها تتمحور حول مقاومة امرأة، وكيف حملت قمة الجبل اسم «قرن الجارية». وفي هذا العام عاد المخرج ناصر عبد الرضا إلى عوالم البحر عبر مسرحية «الغبة» عبر حكاية تروى عن فترة الغوص، أما نتاج الكاتب الكبير إسماعيل عبد الله فيمثل حقًّا استحضارًا لعوالم الماضي الذي ولى سراعا عبر «مجاريح، البوشيه».

المصدر. مجلة الجسرة الثقافية. العدد: 62

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى