التشكيلية اليمنية آمنة النصيري: انشغلت في سنوات الحرب بقراءة اشتباك الإنسان بالأرض والتاريخ

بين أول معارضها التشكيلية وأحدثها أكثر من ثلاثين سنة، تتذكر آمنة النُّصيري تلك التجربة بابتسامة معتدّة بالبداية المبكّرة لطالبة الثانوية العامة، بينما تنكمش الابتسامة حين يأتي الحديث على ذكر المعرض الذي كان يفترض أن يقام في جاليري برلين أواخر العام 2021. “ما زال المعرض مقيّدًا في برامج قاعة العرض”، لكن “فضّلنا عدم تحديد تاريخ على أمل أن يتحسن الوضع وتستقر حركة الطيران”. تقول الفنانة التي فضّلت البقاء في اليمن، بالرغم من توسّع دائرة الحرب ووصول القنابل والصواريخ إلى محيط مرسمها.

 “كون” هو الاسم الذي اختارته آمنة النصيري لمرسمها الذي زارتها فيه مجلّة الجسرة لاستكمال هذا الحوار. شقة متوسطة في الدور الأرضي لبناية على شارع فرعي هادئ وسط صنعاء العاصمة. لوحاتها تزيّن جدران صالة استقبال تنتهي بباب يفضي إلى شرفة واسعة مفروشة بسجادة سميكة ذات ألوان فاتحة. في أحد أركان الشرفة يقف حامل لوحات بُنّي من الحجم الكبير، وفي الجهة المقابلة للباب، حلّت واجهة زجاجية تتخلّلها شرائح من الخشب الأصفر، محلّ الثلثين العلويين من الجدار الخارجي. لم تكن آمنة موجودة في المرسم يوم تهشمت قطعة من زجاج الواجهة على إثر قصف جوّي على جبل “عَطّان” الذي لا يبعد كثيرًا. غير أنها عاشت أيامًا لم تستطع بعد وصف صعوبتها، بينما تحاصرها الانفجارات على مدار الساعة.

 عندما حدثت الانعطافة الكبرى للحرب في مارس/ آذار 2015، ظنّت آمنة- مثل جميع اليمنيّين- أن جحيمها لن يدوم طويلًا. انتظرت بفارغ الصبر طيلة ثلاث سنوات، ثم أدركتْ أن ذلك الانتظار لم يكن سوى الزمن الذي احتاجته لتستوعب صدمة الحرب. “لم أرسم شيئًا. عانيت من نضوب الأفكار، ومرّت عليّ لحظات تساءلت فيها عن جدوى الفنّ حين يكون الموت على بُعد أمتار منك.” قالت وهي تفتح غرفة الرسم المزوّدة بمكتبة تضمّ بعض كتبها المتنوعة بين الفنون، الأدب، التاريخ والفلسفة. فهي مازالت تذهب إلى جامعة صنعاء لتدريس طلبتها فلسفة الفن وعلم الجمال؛ تخصصها الأكاديمي الذي نالت فيه الدكتوراه من جامعة “الصداقة بين الشعوب” في موسكو (2001).

 بعد أن استوعبت الصدمة عاودتها الأفكار، بدأت برسم مجموعة جديدة سمّتها “الريبة”، تحضر فيها القطط عنصرًا أساسيًّا، أنجزت عشر لوحات من هذه المجموعة، ثم بدأت مجموعة أخرى لم تسمّها بعد، لكن موضوعها الأساسي الهوية اليمنية المتشظية بفعل استدامة الصراع والحروب. أنجزت منها عشر لوحات أيضًا، وما زالت تعمل على استكمال المجموعتين بخمس عشرة لوحة لكلّ منهما، وبذلك تكون أنجزت أعمال معرضين على الأقل، طقوسها في الرسم تتضمّن “الموسيقى التي يغلب عليها طابع التجريب”، وفي فواصل الاستراحة تفضّل قراءة الروايات والقصص الأدبية.

 بالرغم من أزمات الوقود المتلاحقة التي تحول دون ذهابها بانتظام إلى “كونـها”، تواصل الفنانة إنجاز لوحاتها في المنزل غالبًا، وبعد أسئلة الوجود، وجدوى الفنّ، التي داهمتها في لحظات التّماس مع الموت، صارت تقف أمام الكانفاس المشدود إلى إطاره، ممسكة لوح الألوان والفرشاة بوعيٍ يستحضر مهمة الفنّ في مقاومة الحرب والخراب، لنتابع المزيد من عوالم آمنة النُّصيري في ردودها على الأسئلة التالية:

 

  • ما رأيك أن نبدأ الحوار من آخر مجموعاتك التشكيلية، حيث تحضر المرأة كعنصر رئيسي في لوحاتها، وإلى جانبها كائنات جامحة أو خطرة، كالغزال والثعبان؛ هل لذلك دلالة فلسفية ما أو رمزية للقدرة الكامنة لدى المرأة على ترويض الجموح واستئناس المخاطر؟
  • نعم، بشكل عام يحضر الإنسان مع كائنات أخرى، وأعتقد أن ذلك بفعل استلهام الأسطوري والموتيفات القديمة الموجودة في المخزون البصري، بالإضافة إلى مبررات أخرى لو أسهبت في تفسيرها أخشى أن يؤثر على قراءة الآخرين للنصوص، فتبرير كل تفاصيل المجموعة الفنية أو المشروع البصري قد يؤثر سلبًا على قيمته، وعلى جاذبيته أحيانًا، حيث نترك حيزًا لإنتاج المعنى من قبل المتلقي.

  • في رصيدك قرابة 17 معرضًا فرديًّا و65 مشاركة محلية ودولية في معارض تشكيلية وندوات ومؤتمرات، و25 بحثًا ودراسة، إضافة لثلاثة كتب، وجميعها تختص بالفنون البصرية وفلسفة الجمال؛ هل تشكّلت لديك خلاصة من أي نوع لمسارات الفنون البصرية في الثقافة العربية- بما في ذلك اليمن، وما ملامح المشترك الإنساني بينها وبين الثقافات الأخرى؟
  • الفن التشكيلي العربي المعاصر يستضيء بذات المسارات السائدة في المحامل التشكيلية العالمية، كون الأصول الأكاديمية هي في الأساس غربية نتيجة انقطاعنا عن فنوننا البصرية منذ قرون، ولذا عندما بدأ الفنان العربي بالرسم والتصوير لم تتوفر لديه سوى التقاليد الغربية في الفن، وحتى مناهج تعليم الفنون عربيًّا هي نفس المناهج في الأكاديميات الغربية، ولذا ستجد كل الاتجاهات الرائجة خارج العالم العربي بدءًا من الواقعية وما لحقها من مدارس مرورًا بالفنون المفاهيمية وكذا التفاعلية والرقمية والصيغ المعاصرة القائمة على التوليف من عدة تيارات، بما يتلاءم مع تطلعات الرسام ورؤاه، هذه باختصار مسارات التشكيل العربي، واليمن لا تبتعد كثيرًا عن المحترفات العربية حيث تسود فيها كل الاتجاهات، وبالطبع الحديث هنا عن سنوات ما قبل الحرب، أي قبل ثماني سنوات، لأن الحركة التشكيلية تأثرت كثيرًا بفعل الحرب والركود الذي نتج عنها، أما عن المشترك الإنساني فنحن اليوم نتحدث عن الإنسان الكوني، وفي اعتقادي إن المحتويات التي يشتغل عليها الفنانون شرقًا وغربًا باتت متقاربة إلى حد كبير، وإن كان بعض الفنانين العرب المهمومين بالشأن العام ربما يكرسون بشكل أوسع من مجايليهم في دول الغرب في معالجاتهم قضايا ذات صلة بالحريات، والقمع وإدانة الأنظمة الديكتاتورية على أن جزءًا آخر من التشكيليين العرب مهجوسون بالتعاطي مع الموروث الشعبي البصري، لكن غالبية التعاطيات مع الموروث لم تبلور خاصية عربية في المحترف العربي، خاصة وأنها توظف مظاهر الموروث بذات المبادئ الفنية الرائجة عالميا ولا تحدث تغييرًا في بنية النص، من هنا يصعب اعتبار هذا التناول سمة ذات أثر جوهري في الفن التشكيلي العربي، وإن كان ذلك لا ينفي وجود تجارب استثنائية فردية في تجارب فنانين في مصر والمغرب العربي، لكنها بقيت في الإطار الفردي، ولم تمثل اتجاهًا واضح الملامح.

تبرير كل تفاصيل المجموعة الفنية أو المشروع البصري قد يؤثر سلبًا على قيمته، وعلى جاذبيته أحيانًا

  • في حوار يعود للعام 2005، قلتِ إن “تدهور الوضع الاقتصادي يؤدي إلى توجه متعمد” للرسّامين اليمنيين “نحو الموتيفات الشعبية والمحلية بغية إرضاء المقتني الأجنبي”، ما هي برأيكِ نسبة “الاستثناءات” التي شكّلت “محترفًا متميّزًا” من بين الفنانين الذين انخرطوا في هذا التوجّه؟
  • هذا الكلام صحيح ولعب دورًا سلبيًّا في تسطيح كثير من التجارب المحلية التي كان من الممكن أن تتطور باتجاه إنتاج أنساق بصرية على قدر عالٍ من الخصوصية والطروحات الجادة، لكن بطبيعة الحال الأمر لا ينسحب على جل التجارب الفنية، فقد تفردت تجارب تشكيلية لعدد من المصورين وحظيت بحضور محلي وعربي، ومن هؤلاء الفنانين الراحلين من الرواد الأساتذة هاشم علي وفؤاد الفتيح وعبدالجبار نعمان، ومن الأحياء عبدالله الأمين ومظهر نزار وحكيم العاقل وطلال النجار وناصر الأسودي، وإني أعتذر عن عدم ذكر الجميع فلا تحضرني كل الأسماء في هذه اللحظة، وهناك أسماء شابة بعضها أصبح لها حضور قوي ولافت يشتغلون على نصوصهم غير آبهين باشتراطات السوق المحلية أو الذائقة العامة البسيطة نوعًا ما.
  • اليمن بلد غني بالإرث الفني البصري وباستطاعة الرسامين النهل من هذه المصادر الثرية وتوظيفها بأساليب تخدم نصوصهم المعاصرة دون أن يقعوا في فخ النقل الحرفي الساذج

  • إلى أي مدى استفدتِ من عناصر الرسم البدائي في اليمن القديم، كتلك الموجودة في الرسوم الصخرية والوشوم الملوّنة على الجسد وما شابه ذلك، وكيف تقيّمين اشتغالك وغيرك من الفنانين على استلهام تنوّع الثقافة اليمنية؟
  • اليمن بلد غني بالإرث الفني البصري وباستطاعة الرسامين النهل من هذه المصادر الثرية وتوظيفها بأساليب تخدم نصوصهم المعاصرة دون أن يقعوا في فخ النقل الحرفي الساذج الخالي من أداءات خلاقة تحول الموتيفات المستلهمة إلى جزء من نسيج النص البصري وليس لشكل منسوخ ومقحم، فهذا أشبه بما يتم في عمل الكولاج الذي تقوم تقنيته على القص واللصق.

بالنسبة لي، هذه الفنون؛ الزخارف الصخرية وزخرفات العمارة التقليدية وكذا الآثار المتنوعة وكتابات المسند، جميعها كانت جزءًا من دراساتي النظرية، وعندما بدأت أبحث عن لغتي الخاصة في اللوحة استحضرت كل مخزوني المعرفي، وبعد بحث واختبارات في مرسمي حاولت ولازلت أحاول تكييف ما أرى فيه مفيدًا وقابلًا للاستلهام في اللوحة، لكني كنت حريصة منذ البداية على الاقتراب الواعي من هذا الإرث والإلمام بتاريخه ووظائفه وسياقاته الدلالية والرمزية.

فيما يتعلق بالفنانين الآخرين أجد التشكيلي البارز مظهر نزار في حالة من الشغف والولع بتوظيف موتيفات بعينها من الفن اليمني القديم، فمظهر مهجوس بـــملكة سبأ والحكايا الأسطورية التي ارتبطت بها، ولهذا يتمثل هذه الثيمة في معالجات متواترة يحضر فيها الهدهد والقمر يحيط بقرص الشمس، وكانا من رموز الآلهة القديمة، بالإضافة إلى حضور المرأة ذاتها في تصورات سحرية، وفي كثير من الأحيان أعتقد أن هذه الملكة التاريخية تصبح استعارة لكل النساء في اليمن، مظهر يقدم صورة حالمة لحياة المرأة قديمًا وحديثًا، ولديه أسلوبه الفني شديد التميز، ونجح في تناول التاريخ وفنون اليمنيين القدماء بما يخدم نصه، ولدى بعض التشكيليين الآخرين محاولاتهم أيضًا في استلهام جزئيات من الإرث الفني التاريخي لكنها لم تستمر أو تشكل مسارات كلية في تجاربهم.

فيما يتعلق بالفنانين الآخرين أجد التشكيلي البارز مظهر نزار في حالة من الشغف والولع بتوظيف موتيفات بعينها من الفن اليمني القديم، فمظهر مهجوس بــملكة سبأ والحكايا الأسطورية التي ارتبطت بها، ولهذا يتمثل هذه الثيمة في معالجات متواترة يحضر فيها الهدهد والقمر يحيط بقرص الشمس وكانا من رموز الآلهة القديمة

  • اعتدتِ تسمية أعمالك في مجموعات: “صراع”، “صنعاء”، “حصارات”، “الرؤية من الداخل”، “مدن النار”… وغيرها من المجموعات التي أنجزتِها قبل اشتعال الحرب الدائرة اليوم في اليمن، ما مدى دقة القول بأن ذلك كان استشعارًا فنيًّا لتفاعلات حبيسة داخل المجتمع، وكيف يمكنك وصف الأمر من زاوية فنيَّة/ فلسفية؟
  • لا أعتبره نوعًا من الاستعلاء أو النرجسية إنْ قلت إنَّ الفن يمتلك بعض النبوءة، والفنان رائٍ مثله مثل المؤرخين والفلاسفة والكتاب المتعمقين في مجريات التحولات الكبرى، ومن المفيد القول إن جميعنا في الوسط الثقافي اليمني-وإن بدرجات متفاوتة- كنا نوقن بأن سير الأحداث حتى من قبل العام 2011 وهو عام الانتفاضات العربية، يتجه بالبلد نحو هاوية سحيقة، فالفساد وصل أقصاه، والتفكك نال من البلد وسلطة الدولة لا تتجاوز المدن الرئيسة، وموجات الغضب والاحتقان تتصاعد، ومستوى الفقر يتفاقم، والقوى الدينية تتوسع في نفوذها وفي أطماعها، كل المؤشرات كانت تفضي إلى تصورات سوداوية، وأنا اعتدت الصدق في التعاطي مع الفن، كنت أتبنى من الرؤى ما أستشعره، وما هو حاضر في قناعاتي حتى برغم ثقتي بأن ما سأطرحه سيصدم كثيرين، أو لن يعجب أهل السلطة، لكني كنت مستغرقة في هموم البلد، ومؤمنة أيضا بأن الفن إلى جانب وظيفته الجمالية، يمكن أن يشكل موقفًا، وهو أحيانا مثل جرس الإنذار ممكن أن يحدث يقظة ولو محدودة جدًّا، هذا باختصار ما كان يحرضني لإنتاج تلك التجارب، يضاف إليها الهم الإبداعي الذي هو جزء أساسي من حياتي وعالمي، وباستثناء معرض حصارات الذي كان تجربة مفاهيمية تستعرض صور وحالات القمع، تجنبت المباشرة في معارضي، لأن أسوأ ما يمكن أن ينزلق إليه العمل الفني هو الشعاراتية والمباشرة، فالغاية من التجربة الفنية في المرتبة الأولى هي الفن ومن ثم المضمون.
  • لا أعتبره نوعًا من الاستعلاء أو النرجسية إن قلت إن الفن يمتلك بعض النبوءة، والفنان رائٍ مثله مثل المؤرخين والفلاسفة والكتاب المتعمقين في مجريات التحولات الكبرى

  • تضمّنت لوحات مجموعة “الريبة” اشتغالًا مكثّفًا على تأثير الحرب في نفس من يعيشها، لماذا حضرت فيها القطط بصورة لافتة، وكيف تختارين رموز لوحاتك؟
  • أحيانا أختار رموز لوحاتي بوعي ونتيجة بحث وتأمل مكثفين، وفي أحيان أخرى يولد الرمز تلقائيًّا في ذهني دون توقع أو انتظار، كما في حالة القطط، فمنذ سنوات تشدني التكوينات الفنية التي تسقط عالم البشر على حياة القطط وربما لأنني أجد في القط كائنًا لافتًا، فيه الكثير من الصفات الشبيهة بالبشر؛ كالأنانية والحذر والتوقع والتوجس والعدوانية في الصراعات واقتناص اللحظة عندما يضعف الخصم والنظرات المتسائلة والشاكة والمستريبة، سمات عديدة تجعل من القطط موضوعًا بليغًا واستعارة ناجحة، من وجهة نظري على الأقل.
  • أحيانا أختار رموز لوحاتي بوعي ونتيجة بحث وتأمل مكثفين، وفي أحيان أخرى يولد الرمز تلقائيًّا في ذهني دون توقع أو انتظار، كما في حالة القطط؛ فمنذ سنوات تشدني التكوينات الفنية التي تسقط عالم البشر على حياة القطط

  • ما هي الموضوعات الفنية الرئيسة التي شغلتك خلال السنوات السبع الماضية، وهل برأيك تفاعل الوسط التشكيلي اليمني بما يكفي مع إفرازات الحرب؟
  • ربما تكون مجموعة “الريبة” هي الوحيدة المكرسة للتعبير عن تداعيات الحرب واستتباعاتها، وبشكل عام أنا أصغي لحدسي في الاشتغال الفني وإنتاج اللوحات، ولمشاعري الداخلية، ولم يحدث أن تكلفت التعبير عن موضوع لم ينضج في ذهني ولم يستقر في وجداني، فعلى الرغم من قسوة الحرب وبشاعتها، إلا أنني لا رغبة لي برسم صور ذات علاقة بها أو الحكي عن مأساوية المصائر في ظلها، ولعل مرد ذلك مرتبط بكون الحرب لا زالت قائمة، وهي الواقع الذي نعيشه، والفنان في الغالب (أو على الأقل بالنسبة لي) يحتاج إلى مسافة زمنية تفصله عن الحدث، لينظر فيه برؤية إبداعية ويستوعبه كمحتوى للمنجز التشكيلي. ذلك أن الانفعالات الشديدة المرتبطة بوقائع الحرب يمكن أن تطغى في اللوحة على الأداء الفني ذاته، وقد تفسده وتحوّل النص البصري إلى فن شعاراتي أو ملصق سياسي متواضع المستوى.

وعودة إلى الموضوعات التي شغلتني في سنوات الحرب، فإلى جانب مجموعة “الريبة”، التي أعتقد أنني أحاول من خلالها التعبير بشكل غير مباشر عن الصراع كموضوع جوهري يتخلل الحياة وعن التشوهات الداخلية التي تخلفها الصراعات في عوالم الكائنات وفي علاقاتها، هناك ثيمة أخرى هي أيضًا تعتمد على الدوال الرمزية وتتمحور حول الإنسان اليمني- وإن كنت أصور النساء، لكني أعتبر الدلالة أعم من التجنيس، فالمقصود قراءة وجود الإنسان مشتبكا بالأرض وبالتأريخ والنظر إلى ارتباط الكائن بأرضه في علاقة تتجاوز الحيز الجغرافي المادي والعلاقة النفعية، هذا الارتباط -كما أراه- وليد تاريخ طويل وعميق مشترك بين الكائن والمكان، هذا المكان الذي مر بمنظومات ثرية من الأساطير والعقائد وقصص البطولات وتعاقب الحضارات، وتأنسن وامتلك حياة من نوع خاص، إنها باختصار محاولة لتجذير وتورخة حياة اليمني في رؤية فنية وفلسفية، وربما إن حضور النساء في اللوحات يرجع إلى انعكاس للاوعي يضاف إلى ذلك الدور البارز للملكات والنساء الفاعلات في كل المراحل التاريخية اليمنية، وهي مسألة مترسخة في الذهن الجمعي، فضلًا عن الحضور القوي للنساء في التراث الشعبي منذ أقدم عصوره، قد يكون لهذه العوامل تأثير في أن تحتل المرأة فضاءات النصوص، لست متأكدة من ذلك.

  • ربما تكون مجموعة “الريبة” هي الوحيدة المكرسة للتعبير عن تداعيات الحرب واستتباعاتها، وبشكل عام أنا أُصغي لحدسي في الاشتغال الفني وإنتاج اللوحات ولمشاعري الداخلية ولم يحدث أن تكلفت التعبير عن موضوع لم ينضج في ذهني

  • ما أخبار معرضك الذي تعثّرت إقامته بسبب جائحة كورونا في جاليري برلين، وهل كان المعرض الذي أقمتِه في صنعاء أواخر العام 2021، بديلًا بالنسبة لك عن معرض برلين، أم تحضّرين لمعرض دولي آخر؟
  • مع الأسف هناك عقبات حدثت منها جائحة كورونا، وعقبات تستجد متعلقة بظروف الحرب أدت لتأجيل العديد من العروض الشخصية الخارجية، ولكن المعرض المزمع إقامته في ألمانيا ما زال مقيدًا في برامج قاعة العرض، وقد فضلنا عدم تحديد تاريخ بعينه على أمل أن يتحسن الوضع وتستقر حركة الطيران.

الفعالية التي أقيمت في مرسمي منذ ما يقارب الثلاثة شهور لم تكن معرضًا شخصيًّا، وإنما كانت هناك مبادرة من الوسط الثقافي اليمني لزيارتي في مرسمي نظمها منتدى الحداثة والتنوير، وبالفعل حضر عدد كبير من الأخوة والأصدقاء: كتّاب وشعراء ومثقفين، وكتب كثير منهم انطباعاته عن الزيارة وعن اللوحات، فاعتقد الناس بأنني افتتحت معرضًا. ومع ذلك كانت مبادرة رائعة وفرصة سنحت لي برؤية كل الوجوه العزيزة في حياتنا الثقافية، فقد ساهمت ظروف الحرب في إحداث عزلة كبيرة بين المثقفين، وغياب شبه كامل للمناشط الإبداعية والفكرية.

** المصدر: مجلة الجسرة الثقافية. العدد: 62

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى