الرسائل في السينما

عشاق وملوك وأصحاب حاجات

قبل ظهور الهواتف النقالة والإنترنت طالما لعبت الرسائل دورًا محوريًا في حياة الناس، خاصة بعد ظهور مكاتب البريد وتطور وسائل النقل، حتى أصبحت الرسائل لعقود وقرون وسيلة لا غنى عنها للتواصل. ولكن الأكثر من ذلك أنها أصبحت وسيلة للتعبير عما يصعب التصريح به من خلال اللقاء والحديث المباشر، وقد ارتبطت الرسائل بالتعبير عن الأفكار والمشاعر العميقة، كما في علاقات الحب، أو الصداقات المتينة، وكم من محبين بثّوا في رسائلهم ما يخجلون من قوله لأحبائهم، وكم من فنان ومفكر بثَّ في رسائله هموما وأفكارًا وأسرارًا حميمية، يرى أنها لا تصلح للنشر العام.

وفي مجال السينما لا يمكن حصر الأفلام التي تعتمد على الرسائل التي تتبادلها الشخصيات (أو شخصية واحدة)، والتي تتراوح وظائفها من مجرد الإبلاغ بخبر وحتى اعتماد سرد الفيلم بالكامل على هذه الرسائل (أو الرسالة الواحدة)، وترجمتها بصريًا عبر وسيط السينما. معظم هذه الأفلام يعتمد على نص أدبي، وبعضها يُماثل ما يعرف بـ” أدب الرسائل” أو المراسلات، حيث يقوم بناء العمل وسرده على الخطابات التي يتبادلها الأبطال. ومن أشهر الأمثلة على ذلك رواية ” رسالة من امرأة مجهولة” للأديب النمساوي شتيفان زفايج التي تحولت إلى عدد من الأفلام منها فيلم أمريكي، بالاسم نفسه، من إخراج ماكس أوفلس وبطولة جوان فونتين ولويس جوردان، 1948، وفيلم مصري، بالاسم نفسه، من إخراج صلاح أبو سيف وبطولة فريد الأطرش ولبنى عبد العزيز، 1962.

الفيلمان، كما الرواية، يعتمدان على رسالة واحدة تبعث بها امرأة تحتضر إلى حبيب عمرها، ووالد طفلها، الذي لا يعلم أي شيء عنها!

في الرواية يعمل البطل ككاتب مشهور في فيينا، بينما في الفيلم الأمريكي يعمل كعازف بيانو في فيينا أيضًا، لكن في الفيلم المصري يصبح مغنيًا شهيرًا، وعلى عكس الرواية يلحق البطل بالمرأة قبل وفاتها ويرتبط بها.

رسول المحبة

لا يوجد أفضل من التصريح بالحب في رسالة، الرسالة مكان آمن للعاشق يمكن أن يبث فيه مشاعره الجياشة ومعاناته دون ارتباك أو خجل، والرسالة، على عكس الشفاه، تحمل كلمات مختارة بعناية يمكن أن يعود إليها مستقبل الرسالة مرات فكأنما يلتقي بالمحبوب على الورق.

لا حصر للحكايات الحقيقية ولا للأعمال الأدبية التي لعبت فيها الرسائل دورًا محوريًا في قصة الحب، والسينما كذلك قدمت عددًا هائلًا من الأفلام العاطفية التي تعتمد على الرسائل.

لقطة من فيلم «جسور مقاطعة ماديسون»

من أجمل هذه الأعمال فيلم “لديك بريد” You ‘ve got Mail الذي لعب بطولته توم هانكس وميج رايان (إخراج نورا إيفرون، 1998)، المقتبس عن مسرحية بعنوان: “دكان العطور” Parfumerie للكاتب المجري ميلوش لازلو صدرت 1937، وتحولت إلى فيلمين سابقين في هوليوود هما: ” الدكان الكائن على الناصية” The Shop Around the Corner إخراج إرنست لوبيتش وبطولة جيمس ستيوارت ومارجريت سوليفان، 1940، ثم أُعيد إنتاجه 1949 في فيلم غنائي بالألوان بعنوان: ” في أيام الصيف الجميلة” In the Good old Summertime” إخراج روبرت ليونارد وبطولة جودي جارلاند وفان جونسون.

تدور المسرحية والفيلمان السابقان حول رجل وامرأة يتبادلان الرسائل دون أن يعرف كل منهما الآخر، وتربط بينهما قصة حب قوية، إلى أن يكتشفا أنهما في الواقع يعرف كل منهما الآخر، وأنهما غريمان متنافسان في العمل! والفارق في نسخة 1998 أنه كان من أوائل الأفلام التي صورت تبادل الرسائل الاليكترونية email، في وقت لم يكن فيه الكثيرون يملكون حسابات الكترونية ولم يكن أحد يتوقع أنه خلال سنوات معدودة سوف تحل الرسائل الرقمية محل الرسائل الورقية تمامًا!

فيلم «رسالة غرام»
رسائل منكوبة

ليس هناك أتعس حظًا من الرسائل المتبادلة بين روميو وجوليت في مسرحية شكسبير الشهيرة، وهناك بالفعل مُعالجات سينمائية كثيرة للمسرحية، لكن فيلم ” رسائل إلى جوليت” (إخراج جاري وينيك وبطولة أماندا زيفريد (2010) يحمل فكرة عصرية ومبتكرة: صوفي فتاة أمريكية تعمل صحفية تسافر إلى مدينة فيرونا في إيطاليا (مسرح أحداث قصة روميو وجوليت) بصحبة خطيبها، وهناك تكتشف وجود حائط يطلق عليه ” جوليت” يقوم العشاق بترك رسائلهم إلى محبوبتهم عنده، وهناك بعض النساء المتبرعات يقمن بالرد على رسائل هؤلاء العشاق وتطييب قلوبهم. عندما تعثر صوفي على رسالة لم يتم الرد عليها بعد، تقرر أن تخوض مغامرة بالرد على صاحب الرسالة، وهو فعل يؤدي إلى تغيير مصير قلبها.

الرسائل المنكوبة التي تقع في يد حارس أو عزول مشكلة كبيرة تؤرق المُحبين، وفي الأدب والسينما المصريين ليس هناك أنكب حظًا من رسالة جميلة (زيزي جمال) في قصة يحيي حقي ” البوسطجي”، التي تحولت لفيلم بالعنوان ذاته من إخراج حسين كمال (1968)، وهي الرسالة التي تقع في يد عباس (شكري سرحان) ساعي البريد، الذي يكره أهل قرية يعمل بها بسبب طردهم لعاهرة ذهبت إلى بيته، وينتقم منهم بقراءة رسائلهم ومعرفة أسرارهم وفضائحهم. وعندما تتلف الرسالة التي بعث بها حبيب جميلة إليها، تكون النتيجة موتها كما حدث لروميو وجوليت.

رسالة منكوبة أخرى تقع في يد الصديق الغادر في فيلم “رسالة غرام” (إخراج بركات وبطولة فريد الأطرش، مريم فخر الدين وكمال الشناوي)، في اقتباس ممصر عن رواية ” تحت ظلال الزيزفون” لألفونس كار. يلعب الأطرش دور وحيد مغني وملحن ساذج يحب فتاة ساذجة يترك كل منهما حبه يضيع بسبب ثقتهما في صديق خائن يتلاعب بهما ويفرق بينهما عن طريق الرسائل المتبادلة، وتكون النتيجة موت الفتاة وقيام وحيد بتربية ابنتها الوحيدة.

وثائق تاريخية

هناك نوع من الكتب يعتمد على نشر رسائل مشاهير السياسيين والأدباء والفنانين، وأحيانًا تتحول هذه الكتب “الوثائقية” إلى أفلام. من أجمل الأفلام العاطفية التاريخية فيلم ” فيكتوريا في شبابها” Young Victoriaبطولة إيميلي بلانت (2009)، الذي يتناول رسائل الحب التي تبادلتها ملكة بريطانيا فيكتوريا (1819- 1901) مع ابن عمها الأمير ألبرت على مدار سنوات، والتي تكشف قلبًا رقيقًا للملكة التي حكمت أقوى إمبراطورية في العالم لمدة 63 عامًا!

فيلم «صاحب المقام»

 من الأفلام الأخرى التي تعتمد على الرسائل الحقيقية فيلم ” الرسائل” The Letters، 2014، إخراج وتأليف ويليام ريد وبطولة جوليت ستيفنسون، والذي يتناول حياة الراهبة الشهيرة ” الأم تريزا” من خلال الرسائل التي واظبت على إرسالها طوال أربعة عقود إلى أحد رجال الدين بالفاتيكان كان بمثابة ناصح ومستشار للراهبة التي قضت معظم حياتها وسط المواقع المنكوبة حول العالم. وتكشف الرسائل كم كانت رسولة الانسانية الحاصلة على جائزة نوبل والتي ينظر إليها باعتبارها واحدة من أقوى الشخصيات وأكثرها إيمانًا، بل ويعتبرها البعض قديسة ذات معجزات.. تكشف الرسائل كم كانت تشعر بالحيرة والهشاشة وبأنها كانت تشعر في طفولتها وصباها بالوحدة وبأنها منبوذة من الرب. للأسف لم يستطع الفيلم أن يعبر دراميًا عن هذه الأزمة الروحية الهائلة، ولا عن القوة الجبارة التي جعلت هذه المرأة البسيطة تتحمل ما لا يتحمله بشر، وتحقق انتصاراتها الروحية والانسانية المُدهشة.

أسرار وغرائب

صندوق الرسائل القديمة المخفية هو “ثيمة” كثيرًا ما تلجأ إليها السينما أيضًا لحكي قصة حدثت في الماضي لها علاقة بالحاضر: امرأة تكتشف صندوق رسائل أمها وتعرف، لدهشتها، أن الأم كانت امرأة لها قلب يحب، كما في فيلم ” جسور مقاطعة ماديسون” الذي أخرجه ولعب بطولته كلينت إيستوود مع ميريل ستريب، 1995، والمأخوذ عن رواية بالاسم نفسه للكاتب روبرت جيمس والر صدرت قبل الفيلم بثلاثة أعوام وحققت مبيعات هائلة.

أحيانًا تأتي الرسائل من وراء الموت، كما في فيلم ” ملحوظة: أحبك” P.S. I love You (إخراج ريتشارد لاجرافينيس وبطولة هيلاري سوانك وجيرارد بتلر، 2007)، والذي يدور حول زوج يحتضر، وحتى يخفف تأثير موته على زوجته يكتب لها عددًا من الرسائل المُسبقة ويرتب لتصل إليها في مواعيد محددة، حيث تصلها الرسالة الأولى مثلا في عيد ميلادها الثلاثين، الذي يحل بعد موته بقليل..فكرة رومانسية غريبة!

فيلم «لديك بريد»

رسالة غريبة للغاية نجدها في فيلم “رسالة إلى ثلاث زوجات” (إخراج جوزيف مانكيوتش، 1949، والذي يروي قصة امرأة مجهولة (نسمع صوت رسالتها فقط) تقوم بإرسال خطاب إلى ثلاث زوجات تخبرهن أنها سترحل مع زوج إحداهن دون أن تحدده بالاسم، وتتركهن نهب شكوكهن وبحثهن عن الزوج الخائن!

لكن أغرب فيلم يتعلق بالرسائل قد يكون ” منزل البحيرة” The lake House، إخراج أليخاندرو أجريتسي، 2006، الذي يدور حول شابة تقطن منزلًا يطل على بحيرة، في الحاضر، تراسل شابًا كان يقطن البيت نفسه منذ عامين، وما يربط بين زمنيهما هو صندوق البريد الذي يتركان فيه الرسائل لتختفي وتظهر في الزمن الآخر. قصة مدهشة وحبكة خيالية، لكن الفيلم الذي لعب بطولته كل من ساندرا بولوك وكيانو ريفز يحمل قدرًا من الرومانتيكية والشجن يجعله واحدًا من أحب الأفلام العاطفية بالرغم من قصته غير المعقولة.

رسائل إلى الله

عندما ييأس الإنسان من العالم ولا يجد من يستطيع أن يستنجد به أو يبثه همومه، يلجأ أحيانًا إلى كتابة رسالة إلى الله أو إلى قديس أو ولي من الأولياء يطلب منه العون، وقد كشف عالم الاجتماع المصري سيد عويس عن هذه العادة الشعبية المصرية في دراسته الميدانية المهمة التي صدرت في كتاب بعنوان: ” هتاف الصامتين”، وهي الفكرة التي يعتمد عليها فيلم ” صاحب المقام” (إخراج محمد جمال العدل، 2020) المأخوذ عن سيناريو للكاتب إبراهيم عيسى، يدور الفيلم حول رجل أعمال مغرور قاسٍ غير مؤمن يتعرض لامتحان قاسٍ عندما يظهر له شبح امرأة (مبروكة) تطلب منه الذهاب لأحد المساجد القديمة حيث يترك الناس رسائلهم إلى صاحب المقام، وتطلب منه حل مشاكلهم، يبدو الفيلم توليفة من دراسة سيد عويس وفيلم ” رسائل إلى جوليت”، سابق الذكر.

فيلم «رسائل إلى الله»

“رسالة إلى الله” هو أيضًا عنوان فيلم قصير للمخرجة كاملة أبو ذكري (2002) مقتبس عن قصة لإحسان عبد القدوس حول فتاة صغيرة يضبطها عمها مع شاب في الشارع فيبلغ أباها وعندما تنكر يقسم أمامه بأن يصاب الكاذب منهما بالعمى، وتقضي الفتاة ليالي في البكاء والصلاة والحديث إلى الله، لتنتهي القصة بإصابة العم في حادث وفقدانه لبصره!

“رسائل إلى الله” عنوان فيلم أمريكي من إخراج ديفيد نيكسون، 2010، يدور حول طفل مُصاب بالسرطان يبعث برسائل إلى الله ليشفيه، وعندما تقع الرسائل في يد ساعي البريد يُصاب بارتباك ولا يعرف ماذا يفعل بها، قبل أن يحاول المساعدة.

أحيانًا تأتي الرسائل من العالم الآخر أيضا. في فيلم ” بعلم الوصول” (إخراج وتأليف هشام صقر، 2019) تلعب بسمة دور امرأة تعاني من اكتئاب حاد بعد موت والدها وعندما تنجب يزيد اكتئابها حدة، ويتعرض زوجها للسجن، وعندما توشك على الانهيار تمامًا تصلها فجأة رسالة من مصدر مجهول تتحدث بلسان حالها وتساعدها على مواجهة أزمتها، وتتوالى الرسائل إلى أن تتعافى وتتمالك زمام حياتها.

لا يخلو فيلم من رسالة

في كتابه المرجعي “البطل بألف وجه” يكشف جوزيف كامبل، عالم الأنثروبولوجي المتخصص في الثقافات القديمة والأساطير والحكايات الشعبية بوجه خاص، عن التشابهات البنيوية في حكايات كل الحضارات، ويكتشف ما يعرف بـ”رحلة البطل” في تلك الأساطير، والتي تتكون من محطات أو مراحل يمر بها كل الأبطال بترتيب متشابه، وصولًا إلى غاية متشابهة. وفي كتاب آخر يضم حوارًا طويلًا له بعنوان: ” قوة الأسطورة” (ترجمة حسن وميساء صقر، كما ترجم أيضًا بعنوان: ” سلطان الأسطورة” بواسطة بدر الديب) يبين كامبل كيف أن السينما الوريث الشرعي للأساطير القديمة، وكيف تؤثر الأفلام الشعبية على الناس كما كانت تفعل الأساطير قديمًا، بل وكيف تتبع هذه الأفلام، عن قصد أو غير قصد، مسار رحلة البطل نفسها. ومن المعروف أن جورج لوكاس مؤلف ملحمة ” حرب النجوم” التي تتألف من تسعة أفلام قد استلهم فكرتها وحبكتها من أعمال جوزيف كامبل، ومن المعروف أيضًا أن مخطط “رحلة البطل” قد تحول لنموذج في معظم استديوهات هوليوود تُقاس عليه السيناريوهات الجديدة، أو يُستخدم لاكتشاف وحل مشكلات السيناريوهات، كما أن ” رحلة البطل” تُدرس كمادة في بعض أكاديميات ومدارس السينما في العالم.

لقطة من فيلم «ملحوظة.. أحبك»

تتكون رحلة البطل من مراحل، تنقسم إلى 12 محطة أساسية، ما يعنينا منها هنا هو المحطة الثانية التي يُطلق عليها ” النداء”، حيث يتلقى البطل نداء أو رسالة تدعوه أو تجبره على ترك حياته العادية والدخول إلى عالم المُغامرة أو التجربة المُنتظرة.

لا يوجد فيلم جيد بدون رسالة جيدة يتلقاها البطل وتكون فاتحة لعالم المغامرة أمامه. قد تأتي في شكل رسالة فعلية (يمكن الرجوع لسلسلة أفلام ” هاري بوتر” على سبيل المثال) أو على شكل محادثة هاتفية تخبره بخبر يُغيِّر حياته (حادث وفاة مثلًا، أو صديق قديم يعود من الماضي)، أو على شكل ملاك يهبط من السماء يقوم بتكليفه بمهمة مُقدسة، أو حيوان سحري (كما يفعل الأرنب في “آليس في بلاد العجائب” أو وشم الأرنب على كتف فتاة كما في ” الماتريكس” يغري البطل بتتبعه ليدخل إلى العالم السحري).

غالبًا ما يكون الوسيط الذي يأتي بالرسالة، كما يكتب كامبل في ” البطل بألف وجه” معتمًا، منفرًا، أو مثيرًا للخوف، والعالم يرى فيه نذير شؤم، وغالبًا ما ترمز الرسالة والوسيط إلى الرغبات المكبوتة في اللاوعي. أحيانًا يبدو أن الأمر صدفة أو حادث عابر أو شخص غير مرغوب فيه، والبطل دائمًا ما يرفض تلبية هذا النداء، ويجيب بخشونة عن الرسالة، أو يتردد في تنفيذ المهمة، وما ذلك إلا علامة على كبت الرغبة والخوف من الاستسلام لها، لكن البطل يستجيب في النهاية، بإرادته أو رغمًا عنه. ويطلق على هذه المحطة ” العتبة” التي يقف أمامها البطل حائرًا، مترددًا، ليحسم أمر استجابته للنداء. ربما تأتي الرسالة بخبر لا يريده البطل، موت قريب أو حبيب مثلًا، أو بتهديد بفضح سر قديم في حياته إذا لم يستجب لطلبات المبتز، أو بحادث يجبره على السير في طريق الاجرام، أو العودة إليه. وإذا فهمنا طبيعة ووظيفة العمل الفني الأساسية وهي نقل المتلقي إلى عالم خيالي تتجسد فيه غرائز ومخاوف المتلقي، وتوفير رحلة ” روحية” له تجعله أكثر قدرة على مواجهة هذه الغرائز والمخاوف وأكثر قدرة على فهم العالم ونفسه، فسوف نفهم مرحلة النداء وأهميتها للرحلة بشكل أفضل.

فيلم «رسائل إلى جوليت»

الرسائل تأتي غالبًا من اللاوعي، ممثلة في كابوس يحلم به البطل، أو حلم جميل يظهر فيه المحبوب الذي سوف يلتقي به لاحقًا. الأحلام كما يقول إريك فروم هي رسائل من العقل الباطن، علينا فك شفرتها ولغتها. في فيلم ” رسائل البحر” لداود عبد السيد يعثر يحيي (آسر ياسين) في البحر على زجاجة مغلقة تحتوي على رسالة بلغة مجهولة، تفشل كل محاولاته لفك شفرتها. ويحيي يُعاني من مرض التلعثم ومن الاحساس بالغربة وعدم القدرة على المواجهة، ولكنه يتعلم من خلال علاقة الحب والرحلة التي يمر بها أن يكف عن الخوف ويعيش الحياة كما هي. الرسالة هنا لم تحتو على كلمات واضحة، لأن معناها داخل يحيي نفسه وليس أي شخص آخر. ومعنى الرسالة في الأفلام (والأعمال الفنية والأدبية عامة) لا يكمن في جملة تقريرية ختامية أو مغزى أو “مورالة” يمكن استخلاصها من العمل، ولكن في “عيش التجربة” نفسها داخل العمل الفني.

مجلة الجسرة الثقافية – العدد 60

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى