توطين الكتاب في قطر

إثراء صناعة النشر القطري عبر تدشين إصدارات جديدة

للعام الثاني على التوالي، أقامت وزارة الثقافة، معرض رمضان للكتاب، في تقليد جديد، رسخ لفكرة معارض الكتاب، دعمًا للقراءة، وتشجيعًا لها في أوساط أفراد المجتمع، علاوة على توطين الكتاب في دولة قطر.

المعرض في نسخته الثانية، تميز بإقامته في مقر درب الساعي، بمنطقة أم صلال، وذلك للمرة الأولى، كون الموقع مجهزًا لإقامة مثل هذه الفعاليات الكبرى، بعدما أضحى وجهة رئيسية للأنشطة الثقافية والتراثية والاجتماعية في قطر، بعد تهيئته بكل الوسائل والتجهيزات لاستقبال مثل هذه الفعاليات التي سوف تتواصل في قطر.

المعرض استمر قرابة 11 يومًا، بعد تمديده أربعة أيام، إذ كان مقررًا إقامته لنحو 7 أيام، إلى أن كان قرار التمديد في ظل ما حظي به المعرض من إقبال جماهيري لافت، وخاصة من جانب العائلات والأطفال، حيث توجهت العديد من الفعاليات المصاحبة للأطفال، والتي تنوعت بين ورش فنية وعروض مسرحية، أبدى حيالها الأطفال تفاعلًا لافتًا، ما جعلها أحد المحفزات لاستقطاب الأطفال إلى اقتناء الكتاب، عبر مثل هذه النوعية من الفعاليات.

إقامة المعرض، أعقبت ختامًا ناجحًا للنسخة الثانية من موسم الندوات، الذي أقامته وزارة الثقافة، بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الأمر الذي أثرى بدوره المشهد الثقافي والفضاء الفكري البناء حول قضايا تاريخية ومعاصرة، ما يعكس توهج المشهد الثقافي بمثل هذه الفعاليات، وإثاره الحراك الفكري والثقافي، فضلًا عن أحد أهم الأهداف، وهو إثراء صناعة النشر في قطر، وإبراز إبداعات الكتاب في شتى المجالات والاحتفاء بأصحابه، بجانب فتح مجالات أرحب للتعاون بين الكُتّاب والناشرين بما يدعم تسويق الكتاب وتوسيع دائرة القراء.

الفعاليات المصاحبة تسهم في تعزيز الوعي وتنمية المعرفة

كما سبق معرض رمضان للكتاب، إقامة معرض جامعة قطر للكتاب 2023، نظمته وزارة الثقافة بالتعاون مع دار نشر جامعة قطر، تحت شعار (الثقافة رحلة تعلُّم)، وذلك لنشر التعليم والثقافة في المجتمع وتعزيز ثقافة القراءة والمطالعة، لإعداد جيل طلابي قارئ ومثقف قادر على إحداث تغيير في واقعه وبناء مجتمعه.

كل هذا الحراك، عكس تطور المشهد الثقافي القطري، لما تمثله معارض الكتاب من أهمية كبيرة في صناعة النشر كمنظومة متكاملة. واللافت في النسخة المنقضية لمعرض رمضان للكتاب، تزايد عدد مشاركاته، عن الدورة الأولى له، إذ شارك في النسخة الفائتة، 79 دار نشر ومكتبة من داخل وخارج قطر، منها 18 دار نشر متخصصة لأدب وكتب الأطفال، حيث شارك من قطر 31 دار نشر، إلى جانب 48 دار نشر من 14 دولة عربية وأجنبية هي: السعودية، وتركيا، والكويت، ومصر، والأردن، والإمارات، والعراق، وسوريا، ولبنان، وتونس، والجزائر، وكندا، والمملكة المتحدة، وأستراليا.

وبجانب المشاركات الأولى لدور النشر العربية في المعرض، فقد كان لعدة جهات قطرية حضورٌ هو الأول من نوعه في المعرض، بل والظهور بالمشهد الثقافي، على نحو دار نشر جامعة لوسيل، والتي تم تدشينها مؤخرًا، بجانب مكتبة نقطة، والتي تم الإعلان عن تدشينها قبيل المعرض، الأمر الذي جعل رواد المعرض أمام طيف جديد من جهات النشر المختلفة، التي تشجع القراءة، وتدعم حركة النشر والتأليف.

                              جديد المعرض

ومن جديد المعرض في ذات النسخة، إقامة الخيمة الرمضانية، التي احتفت بالعديد من الرموز القطرية في العديد من المجالات، من خلال جلسات مع عدد من هذه الرموز من المشاركين في تطوير دولة قطر، واستحوذ التعليم على النصيب الأكبر من هذه الفعاليات، فضلًا عن استعراض مسيرة البحث العلمي في قطر، وقصة إنشاء جامعة قطر،  وتطور صناعة الطاقة والارتباط بالبترول والغاز والمشاريع الكبرى، إلى جانب التطور الاقتصادي في الدولة، كما تعرف جمهور معرض الكتاب خلال الخيمة على ريادة وجهود دولة قطر في مجال العمل الإنساني والخيري عربيًّا ودوليًّا، بالإضافة إلى كون دولة قطر من أكبر الداعمين لبرامج منظمة الأمم المتحدة، وبصمتها الخاصة في المجال الدبلوماسي الهادئ وقيادة حوار عالمي يحقق السلام ويدعم انتشار قيم التسامح في العلاقات الدولية.

ولم يغب عن المعرض، يوم المخطوط العربي، حيث تم الاحتفاء به، عبر إقامة ندوة علمية، حملت عنوان “أخلاقيات العلم وآداب الطلب”، وهو نفس الشعار الذي يتم الاحتفاء به بيوم المخطوط العربي هذا العام، علاوة على ما شهده المعرض من إقامة فعاليات دينية وثقافية متنوعة. كما كان لتدشين الكتب نصيب من هذه الأجواء، حيث الحضور القوي للكتاب، إذ شهد المعرض تدشين العديد من الإصدارات لكتاب قطريين وعرب، وهي كتب جديدة أصدرتها دور النشر القطرية والعربية، خلال الفترة الأخيرة.

                     صناعة النشر

ومن جانبهم، اعتبر مثقفون المعرض منصة مهمة لدعم صناعة النشر، لما شهده من حضور بارز لدور النشر المحلية والعربية، علاوة على دوره البارز في إثارة الحراك الثقافي في قطر، ليضاف إلى ما سبقه من فعاليات ثقافية، تثري المشهد الإبداعي المحلي.

وفي هذا السياق، تعتبر الكاتبة الدكتورة زكية مال الله العيسى، والتي تعد أول امرأة شاعرة في قطر، “المعرض فرصة مهمة لدعم الناشرين القطريين، بتسويق الكتاب والمنتج القطري وتنمية المعرفة الدينية الخاصة والعامة، وتعزيز القيم الأخلاقية لدى القراء ورواد المعرض، كما كان فرصة للجمع بين الشباب والأطفال للتزود من معين العلم والثقافة في شهر العطاء والرحمة والانشغال بالوقت في متابعة ما يثري النفس، ويشحذ القلم، ويضيء الذاكرة باليقين الخالص والإيمان القوي والتمسك بالشريعة الإسلامية وأصول الدين”.

وتقول: إن وزارة الثقافة اجتهدت مشكورة في تنظيم نسختين لمعرض رمضان للكتاب، مستكملة بذلك النجاح الباهر، في تفعيل مفاهيم توطين الكتاب، والحث على المطالعة والبحث للجديد والمفيد في الإصدارات الحديثة. لافتة إلى أنه لا تخفى أهمية المعرض في تشجيع المبدعين والمؤلفين من الأدباء والشعراء والمفكرين لإنتاج المزيد من العطاء الفكري والأدبي الذي يؤكد هوية المبدع الوطني والقلم السارح في متون المعرفة وأوعية الشعر والسرد والرواية، وغيرها من الفنون الأدبية المتألقة.

وحول أهمية الكتاب، ودوره في صناعة النشر، تصفه الدكتورة زكية مال الله العيسى، بأنه “سلوة للنفس ومتعة للعقل، وتهذيب للسلوك، وبهجة للمشاعر، ولذلك يجب الحرص على ترسيخ مفهوم القراءة للكتب، وتلقين النشء الحديث أهمية الاطلاع وماهية الثقافة المقروءة وتأثيراتها في تشكيل الوعي والفكر والذات معًا”.

دعم القراءة

وفيما يتعلق بما حققه المعرض من دعم القراءة، كأحد أهداف معارض الكتاب، يقول الكاتب والمؤرخ د. خالد بن محمد البوعينين: إن المعرض كان له دور كبير في دعم القراءة في المجتمع، وتعزيز توطين الكتاب في دولة قطر، “الأمر الذي نتوجه فيه بالشكر إلى وزارة الثقافة على جهودها ومبادراتها لإنجاز مثل هذه الفعاليات الثقافية الكبرى، التي نجحت في استقطاب كل هذا العدد من الجهات المختصة بنشر الكتاب وتسويقه، وتقديمه إلى متعطشي القراءة في قطر، كما أن الحرص على المشاركة في هذا المعرض، من جانب العديد من دور النشر العربية والدولية، يعزز من مكانة الدوحة الثقافية، وأنها وجهة للناشرين، ما يجعلها عاصمة للكتاب، وداعمة للقراءة والمعرفة”.

ويلفت إلى أن النسخة المنقضية من المعرض اكتسبت أهمية خاصة، من حيث زيادة أعداد الناشرين، ما كان فرصة كبيرة أمام جمهور القراء لاقتناء طيف واسع من الكتب المختلفة والجديدة، في شتى المجالات الثقافية والدينية والعلمية والفكرية، كما شكلت الفعاليات المصاحبة للمعرض أهمية كبيرة في تعزيز الوعي في أوساط الجمهور، وهو ما يعكس أهمية المعارض، بأنها ليست فقط سوقًا رائجة للكتاب، بل إشاعة أجواء من المعرفة في مختلف مجالاتها.

النهل من المعرفة

وحول مزايا النسخة المنقضية للمعرض، يؤكد حمد التميمي أنه كان لهذه الدورة وهجٌ خاص نظرًا لتعطش المثقفين والقراء للاطلاع على جديد العلوم والأدب بعد تأجيل إقامة معرض الدوحة الدولي للكتاب إلى شهر يونيو القادم، “ورغم أن الثقافة والكتابة في قطر لا تنحصر في موسم أو فعالية بل هي مستمرة على مدار السنة إلا أن المعارض تعد فرصة لتلاقي وتلاقح الأفكار وتوطين الكتاب وتعزيز عادة القراءة لكل فئات المجتمع والأعمار، إضافة إلى دوره الكبير في تعزيز الحراك الفكري والثقافي ودفع عجلة الثقافة”.

ويقول: نحن ككتاب نسعد بكل جهد يقدم في هذا السياق وهو يخدمنا بشكل كبير للترويج لأعمالنا الجديدة والالتقاء بجمهور القراء ومزيد الانفتاح على الكتابات المختلفة، والتعرف على الإصدارات الجديدة، لمختلف الأعمار في مختلف فروع المعرفة. مشيرًا إلى أن تنظيم النسخة الثانية من المعرض دليل على نجاح التظاهرة والمحفل الثقافي المميز وزخمه وأهميته بالنسبة للكتاب ودور النشر والقراء على حد سواء.

قصة للحاضر

ومن جانبها تؤكد الكاتبة أسماء الكواري، مدير مركز أدب الطفل ودار نبجة للنشر، أن المعرض كان فرصة للاحتفاء بإصدارها المعنون “مملكة القرنقعوه” مؤكدة أنه بعد مرور 10 أعوام على صدوره، وترجمة محتواه في عروض مسرحية للأطفال، فإن هذا الحضور، يعكس مدى أهمية الكتاب، وأن قصته، حاضرة للحاضر والمستقبل، على نحو ما عكسه توظيف هذا العمل في عروض الدمى المسرحية، والمستوحاة من ذات الكتاب، حيث تم تقديم هذه العروض للأطفال، خلال الاحتفال بليلة القرنقعوه، ما يعني صلاحية هذا العمل، ليكون مرافقًا لليلة القرنقعوه كل عام.

وتقول: إن المعرض أتاح لدار نبجة للنشر عرض إصدارات مميزة للقراء، وإقامة عدة فعاليات، بمشاركة وحضور الأطفال، كأحد الأهداف الرامية إلى تحقيق التفاعل مع الجمهور، وخاصة من شريحة الأطفال، والتي يستهدفها المركز والدار في آنٍ، كونهما يتوجهان إلى هذه الشريحة العمرية، لدعم القراءة في أوساطها.

جديد الثقافة

وعن رؤيتها لما حققه المعرض للكُتّاب والمؤلفين، تؤكد الكاتبة روضه العامري أن المعرض جعل الدوحة تعيش على وهج من المعرفة والثقافة، ما يخلق مجتمعًا قارئًا، يتطلع لجديد الثقافة في كل حُلة ترتديها، ليحلق بالفكر، ويصل إلى نقطة التقاء، مع أحد الأدباء في مجموعة من الكلمات، تجعله يتخيل كل فحواها صورًا معلقة في ذاكرة المستقبل، ليتطور بفكره ومستواه الأدبي، ليصبح قارئًا نهمًا مع الوقت، لا يسد حبه للقراءة إلا مسببات، فما أن ينتهي حتى يعود للقراءة من جديد.

وتقول: إنه بفضل معرض رمضان للكتاب، جعل للثقافة منزلًا بين عقول المبدعين، لإنتاج التثقف من تهذيب الفكر بعد قراءتهم للكتب، واطلاعهم على أساليب تزودهم بالمعرفة، “فالثقافة جزء من كل، وهي شيء من كل الأشياء، وما تزال كلمة الثقافة محيرة للعقول المثقفة، وتلك العقول المتطلعة للثقافة، فتجيبهم باستحياء أنها لا تزال في طور النمو، فالثقافة واسعة، وهي تدعوكم دائما للتفكر، والتفكير، والفكر”.

وتتابع: “قد تكون مفكرًا، وقد يحتار فكرك لما هو أمامك من كتب وموسوعات تحتاج دهرًا تعيشه مع أدبائه ومفكريه، ولكن جاءت وزارة الثقافة بمعرض الكتاب لتختصر عليك التجوال بجسدك، لتتجول بفكرك محلقًا حتى تصل إلى نقطة التقاء بفكرة، ومفكر، وقد ينقطع قلمك عن الكتابة لظروف، ما أن يستهل ذلك المعرض، حتى يعود لقلمك بريقه، وتعود أنت كاتبًا مرة أخرى، لكن بعد التقائك بكل أولئك الحاضرين بأثرهم، في مجموعة من الورق، الذي يسمى كتبًا، فقط لك أنت، أيها القارئ، في دعوة لتمجيد الحرف، وتفعيل قيم البناء المعرفي، كان هناك معرض للكتاب”.

** المصدر. مجلة الجسرة الثقافية. العدد: 62

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى